شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٤٣
لهما. (لأن الأعيان الثابتة اقتضتها،) أي، اقتضت الأسباب والوسائط.
(فلا تظهر) الأعيان (في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت، إذ (لا تبديل لكلمات الله). وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات، فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها، كما تقول:
حدث اليوم عندنا إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث. لذلك قال تعالى في كلامه العزيز، أي في إتيانه مع قدم كلامه: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون) (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين) و (الرحمن) لا يأتي إلا بالرحمة، ومن أعرض عن الرحمة، استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.) ظاهر.
(وأما قوله: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده) إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء:
(إلا قوم يونس).) ولما ذكر الحكم والأسرار التي تضمنت الآيات في موسى و فرعون، شرع في بيان أن مثل هذا الإيمان وإن لم يكن نافعا في الدنيا، نافع في الآخرة، أعني، إيمان فرعون وغيره ممن آمن عند اليأس من غير أن يقع في الغرغرة ويرى العذاب الآخرة وبأسها وإن لم يكن نافعا في الدين نافع في الآخرة.
وأما قوله: (فلم يك ينفعهم إيمانهم). - الآية فلا يدل على أنه لا ينفعهم في الآخرة مطلقا، إذ معناه أن إيمانهم لا يدفع عذابنا الذي أنزلنا عليهم في الدنيا.
وقوله تعالى: (إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا).
دليل على أن عدم نفعه في الدنيا لا في الآخرة. أي، ليس هذا حكما كليا أيضا في الدنيا، لقوله تعالى: (فلولا كانت قرية آمنت) يعنى، عند رؤية العذاب، فنفعها إيمانها، (30) إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة

(30) - في الدنيا أيضا.
(١١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1138 1139 1140 1141 1142 1143 1144 1145 1146 1147 1149 ... » »»