شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٢٨
ولا حزنت عليه حزن رؤية بصر، وغلب على ظنها أن الله ربما رده إليها لحسن ظنها به.) أي بالله. (فعاشت بهذا الظن في نفسها، والرجاء يقابل الخوف واليأس. و قالت حين ألهمت لذلك: لعل هذا هو الرسول الذي يهلك فرعون والقبط على يديه.
فعاشت وسرت بهذا التوهم والظن بالنظر إليها.) أي، كون هذا المعنى توهما وظنا إنما هو بالنظر أي بالنسبة إلى أم موسى، لا بنفس الأمر، لذلك قال: (وهو علم) أي، ذلك التوهم والظن كان علما (في نفس الأمر.) (ثم، إنه لما وقع عليه الطلب، خرج فارا، خوفا في الظاهر، وكان في المعنى حبا في النجاة، فإن الحركة أبدا إنما هي حبية. ويحجب الناظر فيها بأسباب أخر، و ليست تلك.) أي، ومن جملة العناية الإلهية أن موسى خرج فارا من خوف القتل، وكان ذلك الفرار في الحقيقة حبا في الحياة والنجاة من الهلاك. ثم، بين أن الحركة لا تحصل أبدا إلا عن محبة، وإن كان في الظاهر لها أسباب أخر، كالخوف والغضب وغير ذلك، فيحجب من يعلم الحقائق بالأسباب الظاهرة و يسندها إليها، وليست أسبابها في الحقيقة تلك الأسباب الظاهرة.
قوله: (ويحجب) مبنى للمفعول.
(وذلك لأن الأصل حركة العالم من العدم الذي كان ساكنا فيه إلى الوجود - و لذلك يقال إن الأمر حركة عن سكون - فكانت الحركة التي هي وجود العالم حركة الحب. وقد نبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على ذلك.) رواية من الله تعالى.
(بقوله: (كنت كنزا مخفيا، لم أعرف فأحببت أن أعرف). فلولا هذه المحبة، ما ظهر العالم في عينه.) أي، وجوده العيني. (فحركته من العدم إلى الوجود حركة حب الموجد لذلك) أي، لوجود العالم، إذ به تظهر كمالات ذاته وأنوار أسمائه و صفاته (ولأن العالم أيضا يحب شهود نفسه وجودا، كما شاهدها ثبوتا، فكانت بكل وجه حركته من العدم الثبوتي إلى الوجود العيني حركة حب من جانب الحق و جانبه.) أي، من جانب العالم: (فإن الكمال محبوب لذاته) وهو لا يظهر إلا بالوجود العيني (وعلمه تعالى بنفسه من حيث هو غنى عن العالمين هو له. وما بقى إلا تمام مرتبة العلم بالعلم الحادث الذي يكون من هذه الأعيان أعيان العالم إذا
(١١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1123 1124 1125 1126 1127 1128 1129 1130 1131 1132 1133 ... » »»