شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٧١
أي، فإن لم تحط بعقلك بسر ما سمعت، فاعلم أن العقل المشوب بالوهم من حيث نظره الفكري ضعيف في إدراك الأشياء على ما هي عليه. ويدل عليه كون العقل يحكم على العلة أنها لا تكون معلولة لما هو معلول لها. وما في علم التجلي إلا هذا، أي التجلي الإلهي يعطى للعارف المكاشف أن العلة معلولة لمعلولها. وذلك لأن عين المعلول حال ثبوتها في العدم تطلب من عين العلة أن تجعلها موجودة معلولة لها، كما تطلب عين العلة وجود معلولها. والطلب من الطرفين رابطة بينهما.
وأيضا، علية العلة كمال من كمالاتها، ولا يتم إلا بالمعلول، فمعلولية المعلول سبب لعلية العلة. هذا إذا أخذنا وجود كل منهما مجردا عن العلية والمعلولية. وأما إذا أخذنا هما مع الصفتين، فلا بد من أن يتوقف كل منهما على الآخر، كما أن معلولية المعلول لا تحصل إلا بعلية العلة بكونهما متضايفين. و كذلك حكم جميع المتضايفين. فالعلة من حيث إنها علة معلولة لمعلولها.
وأيضا، المكاشف يجد الكشف أن ذاتي العلة والمعلول شئ واحد، ظهر في مرتبتين مختلفتين، والعلية والمعلولية من المتضايفين اللذين كل منهما علة للآخر، (18) فيحكم (19) على العلة من حيث امتيازها عن المعلول أنها معلولة لمعلولها. وهو حق، إذا لم يكن الامتياز بينهما إلا بما يقتضى التضايف، و إلا فلا (20)

(18) - ليس بين الأمرين المتضايفين العلية والمعلولية، لأنهما متكافئان وجودا وعدما، قوة و فعلا. وما هو العلة وجود مقدم بالذات على المعلول، والمعلول متأخر عن العلة. وبين مفهوم العلية والمعلولية تضايف، والمتضائقان متقابلان مفهوما، ويمكن اجتماع أطرافهما في بعض الموارد. (ج) (19) - المكاشف.
(20) - قال شيخنا الأقدم، الأستاذ ميرزا محمد رضا قميشه‌اى إصفهاني (رض): (أي، حكم المكاشف بأن العلة من حيث الامتياز معلول لمعلولها حق، إذ لم يكن الامتياز بينهما إلا بالعلية والمعلولية. وأما إذا كان الامتياز بينهما بوجه آخر، مثل أن يكون العلة واجبا والمعلول ممكنا، فحكمه ليس بحق، لأن الوجوب لا يعلل بالإمكان، كما أن الإمكان لا يعلل بالوجوب لكونه متساو النسبة إلى كل شئ. فحينئذ لا يصح أن يقال إن العلة من حيث الامتياز معلول لمعلوله). وأما مسألة طلب الأعيان الظهور بالألسنة القابلية وإجابة الحق لدعائهم باسمه (المتكلم) لمكان استماعه، عز وجل، سؤالهم باسمه (السميع)، لا يصحح تعليل الوجوب بالإمكان. لأن القابل إنما يكون بفيضه الأقدس، والفيض المقدس ظل للفيض الأقدس. والغرق بينهما إنما هو بإطلاق والتقييد. فالحق مع أرباب العقول الكاملة حيث قالوا إن الواجب لا يتأثر من غيره، وإن كان ذلك الغير من شؤونه تعالى. فيعلم مما ذكرناه أن المعلول مجعول من جهة قابليته بالفيض الأقدس، وهذا الفيض يمر بعد ظهور القوابل على الحقائق العينية الخارجية، ويظهر في الخارج، بجعل أو إظهار أو إيجاد واحد، كلما له إمكان التحقق عينا. وأما ما ذكره الشارح، تبعا للشيخ البارع، أن العلة أو الوجود له ظهور بذاته وظهور في هوية المعلول، والشئ، أو الحقيقة الواحدة، بناءا على ما ذكر يظهر تارة بصورة العلة ويتنزل ويظهر بصورة المعلول من دون تجاف عن مقامها، حق، ولكن هذه المسألة ترجع إلى هذا الأصل وهو أنه يمكن أن يكون الشئ الواحد ظاهرا ومظهرا، أي، ظاهرا بذاته، ومظهرا في مقام الظهور في جلباب المظهر، أو مظهرا بفعله. كما أشار إلى هذا الأصل تلميحا: (هو الظاهر والباطن). ولكن الإنصاف أن الاتصاف بالظاهرية والمظهرية إنما يكون من جهتين. وليس معنى هذا الكلام تعليل الوجوب بالإمكان، كما ذكره شيخنا الأقدم، الإمام العارف، ميرزا محمد رضا قمشه‌اى. (ج)
(١٠٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1066 1067 1068 1069 1070 1071 1072 1073 1074 1075 1076 ... » »»