(وإن شاء الإله يريد رزقا لنا فهو الغذاء كما يشاء) (يشاء) يجوز أن يكون ب (النون) للمتكلم، وب (الياء) للغائب. تقديره:
وإن شاء الإله أن يريد رزقا لنا، فهو غذاؤنا كما نشاء. أو كما يشاء الحق ذلك.
لأن الغذاء هو ما يختفي في عين المغتذى ويظهر على صورته ليقوم به العين، والهوية الإلهية هي التي تختفي في أعيان الخلائق وتصير ظاهرة بصورها مقومة لها، فهي غذاء للأعيان. ونسبة الاغتذاء والرزق إليه - مع أنه يطعم ولا يطعم - ونسبة كونه غذاء لنا بعينها كنسبة بعض الصفات الكونية إليه بقوله: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا). و (مرضت فلم تعدني). وأمثال ذلك مما جاء في الشرع. وهذه النسبة أيضا من باطن الشرع، فإن النبي، صلى الله عليه و سلم، أعطى الكتاب وأمر بإخراجه إلى الخلق، فلا ينبغي أن يسئ أحد ظنه من المؤمنين في حق الأولياء والكاملين في أمثال هذه الأشياء.
ولما كانت المشيئة والإرادة يجتمعان في معنى ويفترقان في آخر، قال:
(مشيئته إرادته فقولوا بها) أي بالمشيئة. قد شاءها فهي المشاء) أي، شاء الإرادة وعينها. فالإرادة هي المشاء، أي المراد. ف (المشاء) في قوله:
(فهي المشاء)، بفتح (الميم)، اسم مفعول من (شاء، يشاء) من غير القياس.
والقياس: (مشى)، إذ أصله: (مشيوء). نقلت ضمة (الياء) إلى ما قبلها، واجتمعت (الواو) و (الياء)، وسبقت أحدهما بالسكون، فقلبت الواو ياء و أدغمت في (الياء) وكسرت ما قبلها للمناسبة، وحذفت الهمزة تخفيفا.
أو مصدر ميمي بمعنى المشيئة. فعلى هذا التقدير يكون معنى البيت: مشيئته هي عين الإرادة، فقولوا بالمشيئة، قد شاء الحق المشيئة المسماة بالإرادة، فالإرادة هي المشيئة. وعلى هذا، ضمير (شاءها) عائد إلى (المشيئة). وهذا أنسب من الأول، لأنه ينافي قوله: (مشيئة إرادته). والله أعلم.
(يريد زيادة ويريد نقصا وليس مشاءه إلا المشاء)