شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٦٩
لاستلزامه عين البقاء الأبدي وتحققه بالوجود المحض الحقاني.
(ولو على قتل حية،) هذا تضمين لقوله، صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية).
(وليست الحية سوى نفسك.) أي، الحية التي هي عدو لك وينبغي قتلها ليست في الحقيقة إلا نفسك. كما قال، صلى الله عليه وسلم: (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك).
(والحية حية لنفسها بالصورة والحقيقة. والشئ لا يقتل عن نفسه. وإن أفسدت الصورة في الحس) (لا يقتل. وإن أفسدت) هما على البناء للمفعول.
أي، الذات الحية حية لنفسها، وذاتها باقية بصورتها النوعية وحقيقتها الكلية.
والشئ لا يفنى عن نفسه ولا يزال. وإن دخل الفساد فيه، لا يدخل في حقيقته و صورته النوعية بل في صورته الحسية.
وإنما نقل الكلام في هذه الحكمة (الإيناسية) إلى بيان البقاء وكشف المعاد، لأن إلياس، عليه السلام، كان إدريس، فارتفع إلى السماء، وبقى فيها وفنى صورته الشخصية، ثم عاد إلى صورته الإلياسية. فنبه، رضى الله عنه، المحجوبين عن العود، الجاهلين بالبقاء السرمدي، بحال إدريس عليه السلام.
(فإن الحد يضبطها، والخيال لا يزيلها.) تعليل للبقاء. والمراد ب‍ (الحد) حقيقة المحدود. إذ الحد والمحدود لا يختلفان إلا بالإجمال والتفصيل فقط. أي، فإن الحقيقة الثابتة في العلم، المعبر عنها ب‍ (الحد)، يضبط حقيقة ما أفسدت صورته عن التفرق والفناء، والخيال الحافظ للمثال يحفظها عن الفناء ولا يزيلها.
ويجوز أن يكون المراد ب‍ (الحد) الصورة العقلية المثبتة في ألواح الكتب السماوية واللوح المحفوظ.
(وإذا كان الأمر على هذا، فهذا هو الأمان على الذوات والعزة والمنعة. فإنك لا تقدر على إفساد الحدود، وأي عزة أعظم من هذه العزة.) أي، وإذا كان الشأن الإلهي على هذا الطريق، بحيث لا يفنى شئ ولا ينعدم ذات أصلا بحسب الحقيقة، فهذا هو الأمان من الله على الذوات. والعزة عين لا يقهرها بالإفناء
(١٠٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1064 1065 1066 1067 1068 1069 1070 1071 1072 1073 1074 ... » »»