شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٧٦
(فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي إلا وهو على النشأة الأخراوية: قد حشر في دنياه ونشر من قبره، فهو يرى ما لا يرون، ويشهد ما لا يشهدون، عناية من الله ببعض عباده في ذلك.) وإنما قال: (من حيث التجلي الإلهي) لأن العارفين لهم مراتب بحسب سيرهم في الملكوت والجبروت والمثال المقيد والمطلق. و أدناهم صاحب العرفان العلمي المجرد. والحشر والنشر يقع لكل منهم أبدا بحسب مقامهم مع أهل ذلك الموطن الذي حصلوا فيه، فيشاهدون أنهم حشروا فيه ونشروا من قبور أبدانهم ورفع عنهم الحجب ووضع لهم الميزان والصراط، و حكم الحق العدل بالفصل والقضاء. كل ذلك على سبيل الشهود، فيروا ما لا يراه المحجوبون ويشهدوا ما لا يشهده المنغمسون في الهيئات الجسمانية والصفات الظلمانية، عناية من الله ببعض عباده حيث عجل له ما أجل لغيره ليتدارك باقي عمره ويحصل ما به حصول الدرجات العالية، فإن الدنيا مزرعة الآخرة.
(فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية - الذي أنشأه الله تعالى نشأتين (24) فكان نبيا قبل نوح، عليه السلام، ثم رفع فنزل رسولا بعد ذلك، (25) فجمع الله له بين المنزلتين - فلينزل من حكم عقله إلى شهوته، ويكون حيوانا مطلقا حتى يكشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين، فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته.) أي، فمن أراد أن يطلع على حكمة إلياس، الذي كان إدريسا نبيا قبل نوح، فرفع إلى السماء، ثم نزل رسولا ليجمع بين النبوة والرسالة - وهو المراد ب‍ (المنزلتين) - فلينزل عن حكم عقله الذي هو السماء، إلى محل نفسه وشهوته الذي هو الأرض، بالنسبة إليها ليناسبه في التنزل. (ويكون حيوانا مطلقا) أي، كالحيوان الذي لا يزاحمه عقله بالتصرف في الأشياء، بل منقادا للواردات الرحمانية من المقام الحيوانية حتى يشاهد روحانية (إلياس) ومقامه المختص به، فيطلع على الحكم الخصيصة به، وينكشف له ما تكشفه كل دابة سوى الثقلين من الاطلاع على

(٢٤) - أي، نشأة النبوة، ونشأة الرسالة. (ج) (25) - قيل كان هاهنا إلى سنة. (ج)
(١٠٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1071 1072 1073 1074 1075 1076 1077 1078 1079 1081 1082 ... » »»