شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٧٤
الجهات التي يفرضها العقل. ولهذا المعنى قال أولا: (ومما يدلك على ضعف النظر العقلي) ونسب الضعف إليه.
(وإذا كان الأمر في العلية بهذه المثابة، فما ظنك باتساع النظر العقلي في غير هذا المضيق) أي، إذا كان الأمر الإلهي وشأنه عند التجلي بهذه المثابة في العلية، حيث يجعل المعلول علة لعلته، فما ظنك في غير هذا المضيق من المواضع التي يكون مجال التعقل فيها واسعا، ويجوز عليها أمورا شتى.
(فلا أعقل من الرسل، صلوات الله عليهم)، لأنهم يشاهدون الأمر على ما هي عليه بالتجلي الإلهي.
(وقد جاءوا بما جاءوا به في الخبر) أي، جاءوا بما جاءوا من المعاني الغيبية في صورة الخبر المروى عنهم.
(من الجناب الإلهي، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا فيما لا يستقل العقل بإدراكه، وما يحيله العقل رأسا ويقر به في التجلي الإلهي.) وإنما كانوا أعقل الخلائق وأكملهم، لأنهم كانوا منورون بالأنوار الإلهية، مشاهدون للحقائق على ما هي عليها، لذلك أخبروا عن الجناب الإلهي بما لا يستقل العقل بإدراكه وما يحيل نسبته إلى الله عقلا لإعطاء التجلي ذلك و إقراره لحقيقته (22) (فإذا خلا بعد التجلي بنفسه، حار فيما رآه.) لأنه رجع إلى بشريته بارتفاع حكم التجلي عنه وغلب عليه عقله المانع من ذلك، وهو لا يشك فيما رآه، فتحصل الحيرة.
(فإن كان عبد رب، رد العقل إليه، وإن كان عبد نظر، رد الحق إلى حكمه.) أي، فإن كان المتجلى له عبد الحق، رد عقله إليه، وإن كان عبد العقل، رد الحق إلى حكم العقل ويؤوله. كما نشاهده اليوم في العلماء الظاهريين أنهم إذا سمعوا آية من الآيات، أو خبرا من الأخبار الدالة على طور فوق العقل، يؤولون ذلك و ينزلونه إلى ما يحكم به عقولهم.

(22) - بحقيقته.
(١٠٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1069 1070 1071 1072 1073 1074 1075 1076 1077 1078 1079 ... » »»