شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٣٥
التي هي قائمة بها ليرحم الأشياء كلها بها.
(ومن لم يذق هذا الأمر ولا كان له فيه قدم) أي، من لم يحصل له هذا الأمر بالذوق ليكون راحما بالفعل مالكا لهذه الصفة متمكنا فيها، ولا له قدم بوجه من الوجوه في هذا المقام. (ما اجترأ أن يقول إنه عين الرحمة، أو عين الصفة، ولا غيرها. فقال) أي، الأشعري. (ما هو عين الصفة ولا غيرها. فصفات الحق عنده لا هي هو ولا هي غيره، لأنه لا يقدر على نفيها، ولا يقدر أن يجعلها عينه، فعدل إلى هذه العبارة. وهي عبارة حسنة، وغيرها) أي، وغير هذه العبارة. (أحق بالأمر منها) أي، أحق بما في نفس الأمر منها. (وأرفع للإشكال.) وهو أن يكون الذات ناقصة بالذات مستكملة لنفسها بالصفات.
(وهو القول بنفي أعيان الصفات وجودا قائما بذات الموصوف) (هو) عائد إلى قوله: (وغيرها). أي، القول بنفي أعيان الصفات الزائدة على الذات القائمة بها أولى وأليق بما في نفس الأمر وأرفع للإشكال من أن يجعل له صفات زائدة على ذاته تعالى قائمة بها، وهي لا عينها ولا غيرها. والقول بالنفي مذهب أكثر الحكماء والمعتزلة.
(وإنما هي نسب وإضافات بين الموصوف بها وبين أعيانها المعقولة.) أي، وإنما الصفات نسب وإضافات، تلحق بالذات الإلهية، حاصلة بين الذات الموصوفة بها وبين الأعيان المعقولة لها، إذ لكل صفة حقيقة يمتاز بها عن غيرها، فتلك الحقائق أعيانها (12)

(١٢) - والعجب من الشيخ الأكبر كيف أغمض النظر عن القول الأشعري مع ذكر عبارة خالية عن الاعتبار، موجبة لرفع النقيضين، وهو تأويل قول الأشاعرة، خذلهم الله، بأنه لا هي هو ولا غيرها قد مع أن القول بنفي الصفات عن الذات قول فضيح، وهو نفى الكمالات الذاتية عن الحق والقول باستكماله بصفاته قد وأما الشارح العلامة فعذره موجه، لأنه كان أشعريا في برهة من دهره، كالشيخ الغزالي، وبقى لوازم وتوابع عن الأصول الأشعرية في ذكره ويرجع إليها أحيانا من حيث لا يشعر. والأشاعرة يقولون المعتبر في الصفة أن تكون زائدة على الموصوف في الوجود الخارجي، ولهذا صرحوا بأن (القدرة) عبارة عن التمكن عن الفعل والترك. وهي صفة زائدة على ذات الموصوفة بها. والمعتزلة أيضا اعتقدوا بلزوم زيادة الصفة على الموصوف. ولكن رأوا أنه يرد إيرادا واضحا على هذا الأصل، وهو خلو ذات الحق عن الصفات وكونه جاهلا بالذات عالما بالصفة التي هي زائدة على الذات، قالوا بنيابة الذات وصرحوا بأن الذات عرية عن الصفة، ولكن يظهر منها أثر الصفة قد وأما الحكماء قد صرحوا بعينية الصفات الكمالية. وعللوا بأن خلو الذات عن الصفات الكمالية يلحق الحق بالقبائل الممكنة. ويلزم من هذا القول الفضيح تركيب الذات بعدد الصفات الكمالية. نعم، بعضهم ذهبوا إلى الزيادة في العلم التفصيلي، لا في العلم الذاتي الكمالي، لأن الصور المرتسمة، التي هي ملاك كونه تعالى فاعلا بالعناية، ليست كمالا ذاتيا للحق، لأن علوه ومجده بالعلم الذاتي الذي كان سبب ظهور الصور المرتسمة. و كتبهم مشحونة بأن جميع صفاته موجودة في صريح ذاته، وفي كل صفة منه تعالى فيها معاني جميع الصفات، وقالوا نحن لا نقول بترادف كل صفة مع الأخرى، لأن التغاير بين الصفات بحسب المفهوم أمر لا مرد له. وليس هذا القول مختار جميع الحكماء. والعجب من الفرقة الضالة الأشعرية حيث صرحوا بأن الاعتقاد بزيادة الصفات الكمالية والأسماء الإلهية، إنما هو مسلك السلف الصالح ومذهب السنة، ومن عدل عن السنة ومذهب السلف الصالح فهو مبتدع قد قول الشيخ: (ومن لم يذق هذا الأمر ولا كان له فيه قدم، ما اجترأ أن يقول إنه عين...
ولا غيرها). وفي هامش الكتاب - والظاهر أنه من الشارح -: (مطلقا على ما ذهب إليه الحكماء والمعتزلة والشيعة من المليين). أقول: وأما الشيعة الاثني عشرية الجعفرية، فهم من جهة متابعتهم من الورثة المحمدية اعتقدوا بما اعتقد باب مدينة علم الرسول، عليهما السلام، حيث قال عليه السلام في مقام إثبات التوحيد الخالص: (وكمال الإخلاص نفى الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف). مراده نفى الصفات الزائدة على الذات، لأن التغاير بين الصفة والموصوف وزيادة الصفة على الذات مناف لوجوب الوجود، والوجود البسيط المنزه عن التركيب، بأنواعه وأقسامه، ليس فيه جهة وجهة، وهو في وحدته وبساطته صرف، كل كمال يكون من عوارض الموجود، أو الوجود بما هو موجود، وهو، عز شأنه، علم كله، قدرة كله، وإرادة كله. وأما التعبير عن الصفات ب‍ (النسب) إنما يصح في مقام تجليه بأسمائه وصفاته في مظاهر أسمائه علما و عينا. وأرباب العرفان يعبرون عن (الإضافة الإشراقية) بالنسب، ومرادهم من النسب الاعتبارية، ومقصودهم عن الوجود الإمكاني بالوجود (المجازى) المجاز العرفاني. وما قيل: إن عين الممكن عدم والوجود الامكاني عدمي. كلام مبهم في غاية الإبهام. وهو من قبيل الرؤيا الذي يحتاج إلى التعبير. ونقول تارة يقال: الماهية الإمكانية أمر عدمي. والمراد أنها لا حقيقة لها في الخارج، وهي ظل الوجود الخارجي وحده. وقد يقال: إن الوجود الخاص المقيد الإمكاني، الذي هو عين الربط بالمبدأ المفيض، عدمي. يجب أن يعنى به أنه لا حقيقة له إلا المظهرية والحكاية عن الوجود المطلق، وهو باعتبار الحكاية، أو المرآتية، متحقق ويترتب عليه الآثار، ومع قطع النظر عن الحكاية، لا نفسية لها، وما يحكم عليه من الشؤون شأن من شؤون علته، والمطلق مقوم للمقيد والمقيد متقوم به. قال صدر الحكماء وشيخ العرفاء: (إن الوجود كما أنه زائد على الماهية، زائد على الوجود الخاص الإمكاني، بمعنى أنه لا يصدق مفهوم الموجود على الوجود الخاص مع قطع النظر عن تقومه بالوجود الواجبي). وهذه الزيادة لا يدرك كنهها إلا من اكتحل عينه بنور الإيمان، ويعرف كيفية تقوم الوجود المقيد على المطلق. وفيه سر توحيد (أخص الخواصي)، لأن صدق الوجود على الرقيقة بضرب من التبعية، وعلى الحقيقة بنحو الحقيقة. وقد صرح على هذا المشرب في موارد متعددة من إلهيات الأسفار، وقال: (إن جميع مراتب الوجود ودرجاته من مراتب علمه تعالى وقدرته وإرادته وسمعه وبصره، بمعنى عالميته وقادريته ومريديته، لا مراتب معلوميته ومقدوريته ومراديته). واعلم، أن تنزل المطلق في مراتب التقييد و تجليه في صور الحقائق الممكنة والأعيان ليس على سبيل التجافي. وهو مع كونه في مقام أحديته الذاتية غيبا محضا ومجهولا مطلقا، يتجلى في الإمكانية ويتحول في كل صورة شاء وأراد. وأنه تعالى (محول)، لا (متحول)، وبينهما فرقان عظيم. وأما ما ذكره الشارح العلامة، وأشار إليه الشيخ في المتن أن الفلاسفة والمعتزلة من النافين للصفات. والشارح ذكر في الهامش: والقول بالنفي مذهب الحكماء والمعتزلة والشيعة من الملييين، يدل على عدم غوره في كتب أرباب الحكمة والفئة الحقة، أي الشيعة الجعفرية. وأما الحكماء، فكتبهم مشحونة من الدلائل على إثبات عينية صفاته الكمالية. كيف، ورئيسهم، الشيخ الأعظم، فيلسوف الإسلام على الإطلاق، صرح في التعليقات (ط بن غازي، 1972، م ج، عبد الرحمن بدوي): (إن الأشاعرة أثبتوا أولا ليس بجسم. ثم لما جاؤوا إلى تفصيل أحواله، شبهوا أحواله وأفعاله بأفعال الإنسان، وأثبتوا له أحوال الإنسان... وهم قاسوا الحق بالإنسان، وأثبتوا له صفات هي في الإنسان كمال وفي الحق نقص، كالعلم والقدرة والإرادة الزائدة على الذات). أي، أنهم أثبتوا للحق صفات زائدة على الذات، ولم يعلموا مفاسد ما خيلت لهم أنفسهم. ومن جهلهم وعدم مهارتهم في العقليات و اتباعهم من أرباب الأوهام والخرافات وقعوا في الضلالة، وجعلوا أنفسهم مصداق قوله ت عالي: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه). وأصحاب الشارح القيصري، أعني الأشعرية، خذلهم الله تعالى، يثبتون للحق المنزه عن عوارض الحدثان وأوصاف الإمكان (قدماء ثمانية)، وسموها صفات الأول قد لا كما زعم الشيخ الماتن (لا هي هو ولا هي غيره) لأن هذا تناقض صريح. وهم بين أن يجعلوا هذه الصفات واجبات، وبين أن يجعلوا القدماء الثمانية معاليل لذات واحدة، وجعلوا الذات الحق المنزه مهية إمكانية، العياذ بالله، عارية عن الكمال، علة للقدماء الثمانية قد وأما المفاسد التي ترد على هذا المسلك والتوالي الفاسدة التي يترتب على هذا المشرب، لا تعدو لا تحصى. والعجب أن الأشعرية كانوا يكفرون من يخالف القول بالقدماء الثمانية، ويعللون بأن هذا المسلك وصل إليهم من السلف الصالح قد آل تيم وعدي وأبى سفيان قد قال الرئيس في الشفاء
(١٠٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1030 1031 1032 1033 1034 1035 1035 1041 1042 1043 1044 ... » »»