شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٤٣
(وإن كان الكل قد سبق ليدل على عين واحدة مسماة. ولا خلاف في أنه لكل اسم حكم ليس للآخر، فذلك أيضا ينبغي أن يعتبر، كما تعتبر دلالتها على الذات المسماة.) أي، ولا خلاف أن لكل اسم حكما يختص به، وليس ذلك للآخر، فذلك الحكم أيضا ينبغي أن يعتبره السائل كما اعتبر الذات، وذلك لأن السائل لا بد له من مطلوب يطلبه، فينبغي أن يطلب ذلك من الذات باسم يعطى بخصوصية مطلوبه، كما لمريض إذا دعا (يا الله) أو (يا رحمان) ينبغي أن يعتبر الشفاء ليقتضي الله حاجته على يد (الشافي).
(ولهذا قال أبو القاسم بن القسي (14) في الأسماء الإلهية: إن كل اسم على انفراده مسمى بجميع الأسماء الإلهية كلها، إذا قدمته في الذكر، نعته بجميع الأسماء. وذلك لدلالتها على عين واحدة، وإن تكثرت الأسماء عليها واختلفت حقائقها.) أي، حقائق تلك الأسماء. أي، ولأجل أن الأسماء كلها في دلالتها على الذات لا يختلف، قال أبو القاسم بن القسي - وهو صاحب خلع النعلين، وذكر الشيخ في الفتوحات أنه كان من أكابر أهل الطريق -: إن أي اسم من الأسماء إذا قدمته في الذكر، نعته بجميع الأسماء لأنه دليل الذات، والذات منعوته بجميع الأسماء والصفات (15)

(١٤) - اسمه أبو القاسم، أحمد بن الحسين الصوفي الأندلسي شهير. قام بصورة ضد المرابطين.
مات بسببها عام ٥٤٦ ه‍ ق. من آثاره الخطية: خلع النعلين. (ج) (١٥) - قال رئيس الفلاسفة: (إن في كل صفة منه تعالى معاني جميع الصفات). أقول: تارة نبحث في صفاته تعالى من حيث إن كل صفة تعالى لوجوب هذه الصفة وصرافتها وعدم حد لها يجب أن يكون فيها كل ما يعد كمالا. وفي اسم (الحي) مثلا معاني جميع الصفات. و علمه لوجوبه وغنائه الذاتي وصرافته وعدم محدوديته في معاني كل الصفات. وتارة نقول: إن ذاته وجود صرف أحدي جمعي بسيط، مشتمل على كل حقيقة كمالية، لأن الوجود الصرف الواجبي يجب أن يكون جامعا لجميع النشآت، ولا يشذ من حيطة وجوده كمال من الكمالات. أو يقال: إن كلما دخل في دار الوجود، دخل في دار العلم، و إذا أخذنا الوجود غير متعين، وهو علم غير متعين. وعبر الإمام السابق، جعفر بن محمد الصادق، عن هذا العلم بالعلم المخزون في غيب وجود الحق، لا يعلمه إلا الله ويختص به. وهذا الحكم يجرى في جميع الأسماء الكلية التي يعبرون عنها ب‍ (أمهات الأسماء) الإلهية. والغرض أن الذات الإلهية، التي اصطلح عليها المتكلمون من العامة، ليست إلا المهية التي جردوها عن جميع الصفات الكمالية والأسماء والصفات الكلية، أي، (القدماء الثمانية) زائدة على ذاته تعالى، بالمعنى الذي عرفته ويقولون، لا معنى لها إلا ما هي عارية في صميم ذاتها عن جميع الصفات. ويقولون لا معنى للصفة إلا كونها عارضة أو زائدة على الذات. وأما ما قيل إن الصفات بما هي عين الذات، أو باعتبار تحققها في عرصة الذات، حكمها حكم الذات والعلم بها متعذر ومحال. وما قيل إن العلم بالصفات ليس متعذرا، كالعلم بالذات، فالمراد منها ظهور الصفات في مرتبة تجليات الأسمائية. وأما محالية العلم بالصفات، فإنما نعنى بها إذا أخذت الأسماء والصفات على نحو عدم التعين.
و (العلم) إذا اعتبرناه على نحو الإطلاق، أي أخذ الإطلاق أمرا سلبيا - أي (العلم) بلا تعين وقيد - فهو عبارة عن الذات، ولا يصل شهود أحد إلى هذا العلم. وهذا يجرى في كل الصفات. ولا نعنى ب‍ (الذات) ما هو المشهور عند أرباب الكلام من العامة، لأنهم ذهبوا إلى نفى الصفات عن الذات وأثبتوا الصفات في مرتبة متأخرة عن الذات في الواقع والاعتبار. وما في كلام الأئمة الشيعة أنه تعالى (أحدي الذات وأحدي المعنى). (فارجع كتاب التوحيد تأليف شيخنا الأقدم، صدوق الطائفة، ط جامعة المدرسين، ١٣٩٨ ه‍ ق. والجامع الكافي، ج ١، نشر فرهنگ أهل البيت، كتاب (التوحيد)، (باب الصفات وأنها عين الذات)). مرادهم من (المعنى) الصفة. وإذا كان الحق أحدية (الصفة)، يجب أن يكون الأوصاف الإلهية كلها موجودة بوجود واحد، ويجب أيضا أن يكون في كل صفة معاني جميع الصفات من دون اعتبار كثرة وتعدد، لا في الذات ولا في الاعتبار. (ج)
(١٠٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1034 1035 1035 1041 1042 1043 1044 1045 1045 1051 1052 ... » »»