شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٣٤
مرحوما بالرحمة الرحيمية. فإيجاد الرحمة فيه وإعطاء هذه الصفة له بعد الوجود والوصول إلى الكمال، إنما هو ليكون العبد موصوفا بصفة ربه، فيكون راحما بعد أن كان مرحوما. وإنما كان كذلك، لأن الصفات الفعلية إذا ظهرت فيمن ظهرت تقتضي ظهور الفعل منه. ألا ترى أن الحق إذا أعطى لعبده صفة القدرة وتجلى بها له، كيف تصدر منه خوارق العادات وأنواع المعجزات والكرامات. والرحمة مبدأ جملة الصفات الفعلية، إذ بها توجد أعيانها. فنسأل الله تعالى أن يرحمنا بالرحمة التامة الخاصة والعامة.
(وهو سبحانه ليس بمحل للحوادث، فليس بمحل لإيجاد الرحمة فيه. وهو الراحم، ولا يكون الراحم راحما إلا بقيام الرحمة به. فثبت أنه عين الرحمة.) أي، الحق سبحانه هو الذي يرحم جميع الأسماء والصفات والأعيان والأكوان، فهو الراحم، وليس محلا للحوادث، ليكون له صفة زائدة عليه حادثة بالذات، فرحمته عين ذاته غير زائدة عليها (11) وبها رحم الرحمة الصفاتية فأوجدها والعين

(11) - لأن الأسماء بلسان المناسب لاستجنانها العلمي في التعين الأول التمست من الحق الظهور الأسمائي، فأجاب الحق بإظهارها من مكمن الغيب إلى مقام الظهور، وتجلى الحق بهذه الأسماء في المرتبة (الواحدية) والحضرة العلمية والإمكان، لأنه يشم من مظاهر الأسماء، أي الأعيان، رائحة الإمكان - لأنها صور قدرية التي نسميها (القدر الأول)، فطهرت الأسماء بالرحمة الذاتية المستجنة في القضاء الأول. وأما في المرتبة الغيبية المسماة ب‍ (الغيب المغيب) و (الأحدية الذاتية) والحقيقة المطلقة المعراة عن كل القيود، حتى القيد الإطلاق، أن جميع الأسماء، ومنها (الرحمة)، من جهة اعتبارها، أو تحققها و كونها، غير متعينة، كأصل الوجود الإطلاقي الغير المتعين الذي لا اسم له ولا رسم له ولا عنوان له، وكل اسم يطلق عليه وكل صفة ينسب إليه نوع تعبير، وفائدتها التفهيم لا التعريف. في سورة (التوحيد) أشار إليه ب‍ (هو). ولذا قالوا إن الرحمة والحمد وغيرهما لا لسان لها في الذات، وكل عين ووجود مضاف، وكل اسم وصفة ونعت متحقق في غيب الذات بالاستجنان الذاتي. وما أنشده الشاعر العارف بقوله: در آن خلوت كه هستى بى نشان بود به كنج نيستى عالم نهان بود. وجودى عارى از قيد مظاهر به نور خويشتن در خويش ظاهر. نواى دلبرى با خويش مى ساخت قمار عاشقى با خويش مى باخت. ولى زانجا كه حكم خوب روى است ز پرده خوبرو در تنگ خوى است.
نكو رو تاب مستورى ندارد چو در بندى سر از روزن بر آرد. نظر كن لاله را در كوهساران كه چون خرم شود فصل بهاران. كند شق شقه گلريز خارا جمال خود كند زان آشكارا. ((اورنگ) پنجم يوسف وزليخا، جامى، رضوان الله عليه) إشارة إلى المرتبة (الأحدية) و (الغيب الثاني) لا الغيب المطلق. (ج)
(١٠٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1029 1030 1031 1032 1033 1034 1035 1035 1041 1042 1043 ... » »»