شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٣٥
والتعليقات: (إن الحق الأول لا يتكثر من أجل تكثر صفات، لأن كل واحدة من صفاته، إذا حققت، تكون الصفة الأخرى بالقياس إليه، فيكون حياته قدرته، وقدرته علمه.
فهو (حي) من حيث هو (قادر)، و (قادر) من حيث إنه (عالم)، وكذا سائر صفاته). و ظهر ما ذكره الشيخ أن الفلاسفة متفقون على عينية صفاته الكمالية، وفي كل صفة معاني كل الصفات. ولا يسمع من المتكلم الأشعري ولا يقبل منه أن معنى الصفة غير معنى الموصوف. وهو من كثرة الانغمار في المفاهيم غفل عن الحقائق الخارجية، ولا يعرف أن كل الصفات متحدة مع ظاهر الوجود باصطلاح أرباب العرفان. وما ذكره الرئيس بعينه ما قال أبو طالب المكي في قوت القلوب: (مشيئته قدرته، وما يدركه بصفة، يدركه بجميع الصفات، إذ لا اختلاف هناك). وأما الشيعة الإمامية - الذين أخذوا عقائدهم من آل بيت الرسول والعترة التي قال رسول الله، صلى الله عليه وآله في شأنهم: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي، حتى يردا على الحوض). وقال: (أنا مدينة العلم و على بابها). - يقولون بما صرح الباب الأعظم لمدينة علم الشريعة والطريقة والحقيقة، في كتاب (النهج)، ونقل عنه الأستاذ، الشارح الكاشاني: (أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به،... وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص نفى الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف).
مراده، عليه وعلى أولاده السلام، من (الصفة) الصفة الزائدة على الذات التي يلزم منها التركيب وخلو الذات عن الصفات. وقد صرح أمير المؤمنين بأنه لا يمكن تعريف الحق، و أن صريح الذات لا اسم له، وأسمائه تعالى تعبيرات. قال الصادق، عليه السلام، في بيان عينية الصفات وعدم زيادتها على الذات: (لم يزل الله، عز وجل، ربنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر). نقل الشارح في (الفص الآدمي) عن على، عليه السلام: (أنه تعالى بصير إذ لا منظور إليه من خلقه). وفي آثار أئمتنا في كتاب أصول الكافي، تأليف شيخنا الكليني، رضى الله عنه، عن الصادق، عليه السلام، في جواب سؤال من سأل عنه عن الصفات. وقال السائل: (جعلت فداك، يزعم قوم من أهل العراق أنه تعالى يسمع بغير الذي يبصر، ويبصر بغير الذي يسمع).
فقال الإمام جعفر الصادق، عليه السلام: (كذبوا وألحدوا وشبهوا. تعالى الله عن ذلك.
إنه سميع بصير: يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع). وفي كلامهم، عليهم السلام: (أنه تعالى أحدي الذات وأحدي المعنى). أي، أنه تعالى أحد، لا تركيب فيه، بسيط غير مركب من الأجزاء، والبسيط الأحد الفرد الذي ليس فيه شائبة التركيب، يجب أن يكون صفاته عين ذاته. ومراده، عليه السلام، من قوله إنه (أحدي المعنى) أي، كل صفة من صفاته أيضا مثل ذاته متصفة بالأحدية، وليس لصفته حد، ولذا يجب أن تكون صفاته عين ذاته بحيث يمكن أن ينتزع من حقيقة ذاته جميع الأسماء والصفات. وإن سئلت الحق، أنه ليس له تعالى ماهية، لأن المهية حد ونفاد للوجود وشؤونه من العلم والقدرة والبصر و غيرها، ولذا قلنا: حقيقة الذات بالمعنى الذي اصطلح عليها الأشعري مسلوبة عنه تعالى. وهو عز شأنه صرف الوجود الذي لا ثاني له، وهو صرف العلم الذي لا ثاني له، ولا جهل فيه، فهو يعلم الأشياء بعلمه الذي عين ذاته. والذي قال: إنه تعالى يبصر بغير الذي يسمع. كان من القائلين بقدماء الثمانية، من الفرقة الأشعرية الذين ألحدوا في أسمائه وصفاته. وأما مذهب أتباع آل الرسول، عليه وعلى آله السلام، يصرح بنفي (القدر) وإبطال مذهب الاعتزال. ولذا قال على بن موسى الرضا، ثامن أقطاب الوجود، عليه السلام، ليونس بن عبد الرحمن: (يا يونس، لا تقل بقول القدرية، فإن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة، ولا بقول أهل النار، ولا بقول إبليس: فإن أهل الجنة قالوا:
(الحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله) وقال أهل النار: (ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين) وقال إبليس: (رب بما أغويتني) قال يونس: (والله ما أقول بقولهم، ولكني أقول: لا يكون إلا بما شاء الله وأراد وقدر وقضى). فقال: (يا يونس، لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى). فقال الإمام (ع): (يا يونس، تعلم ما المشيئة) قلت: لا. قال: (هي الذكر الأول. فتعلم ما الإرادة؟) قلت: لا. قال: (هي العزيمة على ما يشاء. فتعلم ما القدر؟) قال: (هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء). ثم قال: (والقضاء هو الإبرام وإقامة العين). بناء على هذا، مذهب القدرية ينجر إلى تحديد الحق وسعة إرادته ومشيئته وعدم تقوم الممكن بالعلة الفياضة. وهو شرك خفى، بل جلى. وقائله ينكر التوحيد الفعلي، ويترتب عليه مفاسد عديده. وأما (المشبهة) و (الجبرية) جعلوا الذوات الإمكانية مستقلة في الوجود، وأسندوا أفاعيل العباد وآثارهم إلى الله من دون مدخلية ذواتهم الإمكانية في الاستناد. وهذه الفرقة نفوا الغرض والغاية من فعله تعالى لأنه بزعمهم يلزم استكماله بفعله. وأشكل عليهم بأنه: إذا تعلق إرادته تعالى بإيجاد شئ من الأشياء، وما المرجح لتعلق إرادة الحق بالإيجاد، مع أنه نسبة الفعل و عدمه إليه على السواء؟ فأجابوا بأن نفس الإرادة مخصصة. وإن قال أحد: لم كانت نفس الإرادة مخصصا مع أنه لا ترجيح لأحد جانبي الترك والفعل؟ يقولون: إنا نجوز الترجيح بلا مرجح. والاعتقاد بالإرادة الجزافية، وترتب المعاليل الإمكانية على العلات وخالقية الحق بالنسبة إلى المخلوقات، وانتساب أعمال العباد، خيرها وشرها، بالخلاق الحي العالم القيوم، إنما هي على سبيل جرى العادة قد وإن سئلت الحق، أن هذه الفرقة الضالة أبعد خلق الله عن منهج الشريعة، وهم أسوء حالا من (القدرية) الذين قال رسول الله في حقهم: (لعن الله القدرية على لسان سبعين نبيا) و أئمة الشيعة، والحكماء أيضا، اتفقوا أن الحق ما خلق شيئا لغرض وغاية ترجع إليه تعالى، لأنه لا يستكمل بغيره، ولكن أقطاب المحمديين صرحوا بأن الله هو الغاية والمبدأ.
والحكماء العظام، شكر الله سيعهم، وإن صرحوا في مسفوراتهم أنه يترتب على وجود كل موجود مصالح ومنافع لا تحصى، ولكن الغاية من فعل الحكيم العلى القدير أولا وبالذات نفسه تعالى وتبارك. وفي زبرهم أن في كل موجود شوقا غريزيا، وعشقا طبيعيا، وبالأول يطلب كمال المفقود، وبالثاني يحفظ كمال الموجود، وحيث لا كمال إلا لله ولا يستكمل موجود إلا بالله، فإلى الله المصير وهو غاية الغايات. وما قيل: إن الشيعة أخذوا بعض عقائدهم من الحكماء وفي آثارهم ما يدل على تأثرهم عن الفلاسفة. فيقال في جوابهم:
إن الإمامية والفرقة الجعفرية والطائفة الحقة الاثني عشرية، من جهة حسن متابعتهم عن العترة، الذين فرض الله ورسوله على الأمة طاعتهم، وأخذ العلوم عنهم، أخذوا علومهم عن باب مدينة علم الحضرة النبوية، وإنه، عليه السلام، باب الأعظم لمدينة علم النبوة، وباطنه وغيبه عين باطن النبي وغيبه، وقال: (أنا وعلى من نور واحد). و (أنا وعلى من شجرة واحدة، والناس من أشجار شتى). (ج)