شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٣٠
أهل الكشف يسألون رحمة الله أن تقوم بهم، فيسألونها باسم (الله)، فيقولون: يا الله ارحمنا. ولا يرحمهم إلا بقيام الرحمة بهم.) (الأثر الآخر) هو أثر الرحمة الرحيمية المعطية لكل عين ما يوصل إلى كمالها، إما بسؤال لسان الاستعداد، أو بسؤال لسان الحال والقال، كما مر من قبل (5) فيسأل المحجوبون أن يرحمهم الحق الذي هو معتقدهم، ويغفر لذنوبهم ويتجاوز عنهم رغبة في الجنة وهربا من النار. و أهل الكشف يسألون أن يتصفوا بالرحمة، فيقومون بها من الحضرة الإلهية المطلقة، لا من الإلهية المقيدة، فيقولون: يا الله ارحمنا بلسان استعداداتهم. ولا يرحمهم إلا بأن يجعل قيام الرحمة بهم، فيكونوا راحمين لأنفسهم ولغيرهم من المستعدين بإيصالهم إلى الكمال. هذا بالنسبة إلى بعض المكاشفين، لا بالنسبة إلى المحققين، فإنهم يختارون مقام العبودية على الربوبية (6) ويجوز أن يكون بالنسبة إلى جميع المكاشفين ويكون المراد الاتصاف بها، لا الظهور بها، فإن الكمل لا يطلبون الظهور بالصفة الرحمانية.
(فلها الحكم، لأن الحكم إنما هو في الحقيقة للمعنى القائم بالمحل، فهو الراحم على الحقيقة.) أي، فللرحمة الحكم في كل مرحوم، لأن المعنى القائم بالمحل، هو الحاكم في الحقيقة على نفس المحل، أو على من دونه. أ لا ترى أن السلطنة تحكم على نفس السلطان بأمور لو انعزل لا يكون له تلك الأحكام. فذلك

(٥) - في (الفص الشيثي).
(٦) - لأن في العبودية جوهرة كنهها الربوبية، وما فقد من العبودية وجد في الربوبية. كما قال ختم الأولياء، الأمام جعفر الصادق، عليه السلام، على ما في مصباح الشريعة وذيله: (و ما خفى عن الربوبية أطيب في العبودية). فالعبودية إذا بلغت إلى كمالها، يظهر أسرار الربوبية في القلب المتحقق بالعبودية. ولسان هذا المقام: (على أذن الله الواعية، وعين الله الباصرة). ولما يصل الفيض من الإنسان الحادث الأزلي والنش ء الأبدي، قيل: (على قلب الله). لأن الفيض منه يصل إلى العالم. ومن جهة فنائه الذاتي في الحق، يصير آلة فعل الحق، وإليه يستند في المقام ما يستند إلى الله في الفناء الأسمائي، صلى الله عليه و سلم. (ج)
(١٠٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1025 1026 1027 1028 1029 1030 1031 1032 1033 1034 1035 ... » »»