شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٣١
(المعنى) هو الحاكم، لا نفس السلطان. ولكون المعنى قائما بالمحل يظن أنه هو الحاكم. وكذلك جميع المعاني. ويظهر حقيقة هذا الكلام في أصحاب المناصب، كالسلطان والقاضي والوزير وغيرهم.
(فلا يرحم الله عباده المعتنى بهم إلا بالرحمة.) أي، بقيام الرحمة بهم، ليكونوا راحمين.
(فإذا قامت بهم الرحمة، وجدوا حكمها ذوقا. فمن ذكرته الرحمة) أي، الرحيمية لقيامها به، كما في الكاملين، أو بالمغفرة وإعطاء الجنة، كما في العابدين الزاهدين المحجوبين عن معرفة الحقائق. (فقد رحم.) بما يناسب استعداده و تقبل عينه ذلك.
(واسم الفاعل هو (الرحيم) و (الراحم).) أي، الحاكم هو الرحمة، وإن كان اسم الفاعل هو (الرحيم) و (الراحم). أي، وإن أضيفت الرحمة إلى الذات الموصوفة بالرحمة في (الرحيم) و (الراحم).
(والحكم لا يتصف بالخلق، لأنه أمر توجيه المعاني لذواتها. فالأحوال لا موجودة ولا معدومة.) لما قال: (وجدوا حكمها ذوقا) قال: والحكم أيضا غير موصوف بأنه مخلوق، لأنه لا عين له في الخارج ليكون موصوفا بالمخلوقية، بل هو أمر معنوي يستلزمه المعاني المعقولة لذواتها، وهي المعاني الكلية المذكورة في الفص الأول من أنها باطنة ولا تزول عن الوجود الغيبي بحسب الحكم.
فالأحوال والأحكام كلها لا موجودة في الأعيان، بمعنى أن لها أعيانا في الخارج، ولا معدومة، بمعنى أنها معدومة الأثر في الخارج.
ولو قال قائل: إن الأحوال لا أعيان لها في الخارج أعيانا جوهرية، ولم لا يجوز أن يكون لها أعيانا عرضية موجودة في الخارج، لأتجه. وتحقيقه أن الأعيان العرضية بعضها محسوسة، كالسواد والبياض، وبعضها معقولة، كالعلم والقدرة والإرادة وأمثالها، والمعقولات من حيث إنها معقولات ليس لها وجود إلا في العقل ولا عين لها في الخارج غيره، ومن حيث إنها هيئات روحانية مرتسمة في الذات الموصوفة بها، لها أعيان عرضية غير أعيان محالها، واتحاد عين الصفة مع
(١٠٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1026 1027 1028 1029 1030 1031 1032 1033 1034 1035 1035 ... » »»