شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٥٣
عليهم السلام، في مشاهده، كما صرح في (فص هود)، عليه السلام، وباقي كتبه.
فنزوله كنزول عيسى، عليهما السلام، على ما أخبر عنه نبينا، صلوات الله عليه. وإنما كان قبل نوح، لأنه كان جده، لأنه ابن لملك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس، عليه السلام. ولا يتوهم أنه على سبيل التناسخ ليستدل على حقيته - كما يظن به بعض من يميل إليه - لأنه عبارة عن تعلق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر، من غير تخلل زمان بين التعلقين، (2) للتعشق الذاتي بين الروح والجسد، ويكون تعلقه بالبدن الجسماني دائميا. وهذا ليس كذلك.
و (انفلاق الجبل عن فرس ناري) كان في العالم المثالي. فإنه شاهد فيه أن جبل لبنان - وهو من جبال الشام - انفلق وخرج منه فرس على هيئة نارية. ولا شك أن كل ما يتمثل في العالم المثالي بصورة من الصور هو معنى من المعاني الروحانية وحقيقة من الحقائق الغيبية. لذلك أثرت في حيوانيته حتى سقطت عنه الشهوة وغلبت قواه الروحانية عليه، حتى صار عقلا مجردا على صورة إنسان.
وقيل: إن (الجبل) هو جسمانيته، وانفلاقه انفراج هيآتها وغواشيها. و (الفرس) هي النفس الحيوانية. وكونها من نار غلبة حرارة الشوق واستيلاء نور القدس عليه، وكون آلاته من نار تكامل قواه وأخلاقه. وفيه نظر.
لأن المتمثل له الحكم على من يتمثل له. فلو كان المتمثل بالجبل حقيقته الجسمانية، وبالفرس حقيقته الحيوانية، لكان حكم الحيوانية غالبا على الروحانية، لا عكسه. وكونها على الصورة النارية لا يخرج الحيوانية عن مقتضاها. غايتها أن يجعل النفس منورة منقادة للروح، ليكون مقتضاها على

(2) - لا يخفى أن تعلق روحه ببدن غيره، إن كان في زمان تعلق الروح الأول، يلزم تعلق النفسين ببدن واحدة وتحقق الصورتين لمادة واحدة. وإن كان بعدها، يلزم تحقق المادة أو بقائها بلا صورة. (ج)
(١٠٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1044 1045 1045 1051 1052 1053 1054 1055 1056 1057 1058 ... » »»