شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠١٨
(من غير فحل ولا تذكير، كما ولدت مريم عيسى من غير فحل ولا ذكر ولا جماع عرفي معتاد، لو قال) أي، حتى لو قال. (نبي: آيتي ومعجزتي أن ينطق هذا الحائط. فنطق الحائط، وقال في نطقه: تكذيب قد ما أنت رسول الله، لصحت الآية و ثبت بها أنه رسول الله. ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط. فلما دخل هذا الاحتمال في كلام عيسى بإشارة أمه إليه وهو في المهد، كان سلام الله على يحيى أرفع من هذا الوجه.) أي، لما دخل احتمال عدم الصدق في قول عيسى، عليه السلام، عند الجاهل بالحقائق والأسرار الإلهية، حين تكلم بإشارة أمه إليه في براءة ذمتها عما نسبوها إليه، كان سلام الله على يحيى أرفع من سلام عيسى على نفسه من هذا الوجه.
(فموضع الدلالة أنه عبد الله، من أجل ما قيل فيه إنه ابن الله. وفرغت الدلالة بمجرد النطق. وأنه عبد الله عند الطائفة الأخرى القائلة بالنبوة، وبقى ما زاد في حكم الاحتمال في النظر العقلي حتى ظهر في المستقبل صدقه في جميع ما أخبر به في المهد. فتحقق ما أشرنا إليه.) أي، متعلق الدلالة في قوله: (إني عبد الله). أنه عبد الله لينفى ما يقال فيه: إنه (ابن الله). كأن روحه استشعر بأن أكثر أمته يذهبون إلى أنه ابن الله، فبدأ بقوله: (إني عبد الله). نفيا لما عندهم.
وذلك لأن الأرواح الكاملة قد يكون بحيث لا يخفى عليها جميع ما يجرى في هذا العالم قبل ظهورها فيه، لما يشاهد إياه في ألواح كتب السماوات وأرواحها عند المرور عليها. ويكون ما يشاهد مستصحبا معه باقيا في حفظه، كما سئل بعضهم: أتذكر عهد (أ لست بربكم)؟ قال: كأنه الآن في أذني. وقال آخر: كأنه كان أمس. فقال بعضهم: أذكر ست مواطن آخر للعهد.
(وفرغت الدلالة بمجرد النطق.) أي، تمت الدلالة على أنه عبد الله عند الطائفة الأخرى من أمته القائلة بنبوته. وإن لم يقل إني عبد الله، فإنه بمجرد إتيانه بالنطق حصلت الدلالة على كونه عبد الله ونبيا من أنبيائه، صادقا فيما قال:
(إني عبد الله آتاني الكتاب والحكم والنبوة).
وقوله: (وبقى ما زاد في حكم الاحتمال) أي، عند الجاهلين بحسب نظر
(١٠١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1012 1014 1015 1016 1017 1018 1019 1021 1022 1023 1024 ... » »»