شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٩٨
الحقائق والشهود اليقيني، يعطى للعارف المشاهد أن الأشياء لا تزال تتكون في كل آن ونفس على الدوام، كما قال تعالى: (بل هم في لبس من خلق جديد).
والكون لا يكون إلا بعد الانعدام، وكل منهما لا يمكن بلا ميل (15) أما الانعدام، فلأنه لا يحصل إلا بالميل إلى الباطن. وهذا الميل في الحيوان يسمى (انحرافا) في الطبيعة، وفي غيره من المركبات يسمى (تعفينا)، كما إذا تغير مزاج فاكهة أو لبن أو عصير، أو غير ذلك، يقال: عفن. وذلك الميل بالنسبة إلى جناب الحق يسمى (إرادة). وذلك لأنها المخصصة والمرجحة في حق الممكنات، إما إلى الوجود، أو العدم، والتخصيص والترجيح عين الميل بأحد الحكمين

(15) - ولو كان مراد الشيخ والشارح العلامة، وغيرهما من أرباب المعرفة، أن الكون عبارة عن إيجاد ثم انعدام صريح ذوات الأجسام يلزم أن يكون الإيجاد في عالم المادة إبداعيا، أي، يقتضى أمر الإلهي انعدام المواد مع صورها وإيجاد الصور من كتم العدم من دون مسبوقيتها بالمواد والاستعداد. وإنما يستدلون على ما راموا في زبرهم على الآيات القرآنية على سبيل التعبد والتقليد، من دون ذكر دليل على كيفية دلالة الآيات الكريمة على مسلكهم.
نظير (بل هم في لبس من خلق جديد). ويظهر من كلامهم أنهم ما وصلوا إلى ما وصل إليه صدر متألهة الإسلام من إثبات الحركة في الجواهر وسيلانها وتبدلها الجوهر الذاتي على سبيل الاستمرار، ونفى الكون والفساد في توارد الصور على المواد، وتبدل الصور على طريق التجدد مع القول بوقوع الحركة في الصور مع حفظ مادة ما، وتبدلها مع الاعتقاد باستمرار الحركة وعدم جواز فصل العدم في الوجود الاستمراري المادي. وأما القول بأن الكون لا يكون إلا بعد الانعدام، وكل منهما لا يكون إلا بالميل، كلام مبهم في غاية الإبهام. ولا يمكن رفع الإبهام والشكوك وإثبات التجدد والتصرم في جوهر الصور و سيلانه مع تلفيق الخطابيات قد وقد أثبتنا أن العالم حادث زماني كله وجزئه، والفيض منه تعالى ثابت أزلي دائم. ولا منافاة بين تجدد عالم الأجسام ودثوره وفنائه وزواله، وبقاء وجه الله. (كل يوم هو في شأن) - (بل هم في لبس من خلق جديد) لرسوخ الحركة وولوجها في الجواهر والأعراض تابعة لها. وأما قول الأشاعرة في عدم بقاء العرض في الآنين، لا ثقة بجدوى برهانهم، ولا يمكن التعويل عليه، بناءا على القول بالحركة في الذوات وتصرمها على سبيل اللبس بعد اللبس، لا يرد على القائل بالحركة ما يرد على الشيخ وأتباعه. (ج)
(٩٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 993 994 995 996 997 998 999 1000 1001 1002 1003 ... » »»