شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٠٢
تعالى: (وإليه يرجع الأمر كله). أي، مآل الأمور، حسنها وقبيحها، نعيمها و جحيمها، كلها يرجع إليه تعالى حقيقة وكشفا، كما قال تعالى: (قل كل من عند الله). فإذا كان الأمر كذلك، فاعبده بما أمرك به وما استطعت عليه، وتوكل على الله حال كونه محجوبا مستورا عن نظرك. أو حال كونك في الحجاب والستر عن الله. والمعنى واحد.
(فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم، لأنه على صورة الرحمن.) (20) أي، فإذا كان هويته تعالى هوية العالم، ويرجع جميع ما في العالم من الأمور إليه تعالى، فليس في الإمكان أبدع وأحسن من نظام هذا العالم، لأنه مخلوق على صورة الرحمن.
وإنما جعل العالم مخلوقا على صورة الرحمن، لأنه تفصيل ما تجمعه الحقيقة الإنسانية المخلوقة على صورة الرحمن (أوجده الله، أي، ظهر وجوده تعالى بظهور العالم، كما ظهر الإنسان بوجود الصورة الطبيعية.) أي، أوجد الحق العالم.
ثم، لما كان وجود العالم مستدعيا لوجود الحق - لأنه محدث ولا بد له من محدث أحدثه وهو الحق سبحانه - فسر (أوجده الله) تعالى بقوله: (أي ظهر). وذلك لأن الحق غيب العالم وباطنه، فظهر بالعالم، كما أن الحقيقة الإنسانية غيب هذه الصورة الطبيعية، فظهرت بها.
(فنحن) أي، أعيان العالم مع جميع الصور الروحانية والجسمانية،

(20) - هذا بعينه ما ذهب إليه أرباب الحكمة المتعالية، أنار الله برهانهم، من أن النظام الكياني ظل للعلم الحق بنظام الأحسن، وأن علمه تعالى بالنظام الأتم عين ذاته، وذاته أفضل علم بأفضل معلوم، وأن صريح ذاته منشأ ظهور العالم، والعالم مقتضى علمه بذاته من جهة أن ذاته مبدأ للعلم في مقام الفعل، والفعل ظهوره الذي حصل من قوله: (كن فيكون)، والعلم الذاتي من حيث إنه عين العلم بالأشياء بنظامه الربوبي، وأن العلم الذاتي تقتضي ظهور الأشياء وصدورها من ذاته، فيجب أن يكون نظام الوجود أفضل و أتم بحيث لا يتصور الأتم منها، وإلا يلزم جهة فقدان في الحق، وأن ذاتها غير وافية لظهور النظام الكياني الذي لا يتصور أكمل منها. (ج)
(١٠٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 997 998 999 1000 1001 1002 1003 1004 1005 1006 1007 ... » »»