شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٩٧
عليه من إفراط حرارة الألم، (فسكنه الله ببرد الماء.) أي، قال تعالى لأيوب، عليه السلام: إضرب برجلك الأرض، ليظهر لك ماء تغتسل به، بارد مسكن حرارة الألم، مطهر لبدنك من الأمراض والأسقام. فلما أتى بالمأمور به، سكن الله إفراط الحرارة ببرودة الماء. هذا ظاهره.
وأما باطنه، فهو أمر بالرياضة والمجاهدة بضرب أرض النفس، ليظهر له ماء الحياة الحقيقة متجسدا في عالم المثال: فيغتسل به، فيزول من بدنه الأسقام الجسمانية ومن قلبه الأمراض الروحانية. فلما جاهد وصفا استعداده وصار قابلا للفيض الإلهي، ظهر له من الحضرة الرحمانية ماء الحياة، فاغتسل به، فزال من ظاهره وباطنه ما كان سبب الحجاب والبعد من ذلك الجناب.
(ولهذا كان الطب النقص من الزائد والزيادة في الناقص. والمقصود طلب الاعتدال. ولا سبيل إليه إلا أنه يقاربه.) (14) أي، أزال الحق منه إفراط الحرارة الذي كان سبب الآلام، لا الحرارة مطلقا. ولهذا المعنى كان الطب والتداوي بالتنقيص من الكيفية الزائدة، والازدياد من الناقصة، ليحصل المقصود وهو القرب من الاعتدال، إذ لا سبيل إلى الاعتدال الحقيقي إلا أن الطبيب يجعل المزاج قريبا من الاعتدال.
(وإنما قلنا: ولا سبيل إليه، أعني الاعتدال، من أجل أن الحقائق والشهود يعطى التكوين مع الأنفاس على الدوام. ولا يكون التكوين إلا عن ميل في الطبيعة، يسمى انحرافا أو تعفينا، وفي حق الحق إرادة، وهي ميل إلى المراد الخاص دون غيره.
والاعتدال يؤذن بالسواء في الجميع. وهذا ليس بواقع. فلهذا منعنا من حكم الاعتدال) أي، وإنما قلنا: لا سبيل إلى الاعتدال الحقيقي، لأن معرفة

(14) - قوله: (إلا أنه يقاربه...). هذا أي القرب بالاعتدال مختص بالمزاج، وغير محقق في التكوين، فإن أمر التكوين ليس إلا بالإنحراف الصرف والإرادة المعينة لأحد الأطراف، فإن الترجيح بالأولوية محال، لا سبيل إليه. (الإمام الخميني مد ظله)
(٩٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 992 993 994 995 996 997 998 999 1000 1001 1002 ... » »»