شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٩٤
صورة الرحمان الجامع للصفات المتقابلة. واعلم، أنه لو كان المراد بالظهور العلم بالجهات، لكان غير منحصر في الإنسان، لأن النفوس الفلكية أيضا عالمة بها، بل جميع الحيوانات. فالأنسب أن نقول: المراد بالظهور، التحقق. أي، لا يتحقق بهذه الجهات المتقابلة بحسب المقام إلا الإنسان، لأن جميع مراتب الوجود مقاماته، بخلاف غيره. فإن لكل منها مقاما معلوما لا يتعداه، كما قال تعالى: (و ما منا إلا له مقام معلوم). فهو الذي في السماء له ظهور، وهو الذي في الأرض له ظهور. كما أن أصله الذي ظهر الإنسان على صورته: (هو الذي في السماء إله و في الأرض إله). وكذلك باقي الجهات. وقد مر تحقيقه في المقدمات من أن الحقيقة الإنسانية هي التي ظهرت في جميع صور العالم.
(ولا مطعم إلا الله. وقد قال في حق طائفة: (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل) ثم نكر وعمم، فقال: (وما أنزل إليهم من ربهم). فدخل في قوله: (وما أنزل إليهم من ربهم) كل حكم منزل على لسان رسول أو ملهم، (لأكلوا من فوقهم) (6) وهو المطعم من الفوقية التي نسبت إليه الحق (7) (ومن تحت أرجلهم) (8) وهو المطعم من التحتية التي نسبها إلى نفسه على لسان رسوله المترجم عنه (9)، صلى الله عليه و سلم.) لما قال: إن نسبة الفوقية والتحتية إليه سبحانه سواء، أراد أن يبين أنه تعالى يربي عباده منهما.
فقوله: (لا مطعم إلا الله) مأخوذ من قوله تعالى: (وهو يطعم ولا يطعم).
وإنما جاء به، (10) لأنه تعالى قال في حق قوم موسى وعيسى، عليهما السلام: (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل)، أي، أحكامهما. (وما أنزل إليهم من ربهم)

(6) - أي، من الأثمار. (ج) (7) - أي، الحق. (ج) (8) - أي، الزرع. (ج) (9) - أي، الحق. (ج) (10) - أي قوله: (لا مطعم إلا الله) (ج)
(٩٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 988 989 991 992 993 994 995 996 997 998 999 ... » »»