زال الغضب، حصل الرضا.
وإنما قال: (فإن كان كما قلنا) مع أنه على يقين من ربه أن الأمر كما قال، إلزاما للمحجوبين. وذلك كما قال أمير المؤمنين، كرم الله وجهه، في بعض أشعاره:
قال المنجم والطبيب كلاهما * لن تحشر الأجسام، قلت إليكما (19) إن كان قولكما فلست بخاسر * أو كان قولي فالخسار عليكما مع أنه، عليه السلام، قال: (لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا).
(فمن غضب فقد تأذى، فلا يسعى في انتقام المغضوب عليه بإيلامه، إلا ليجد الغاضب الراحة بذلك، فينتقل الألم الذي كان عنده إلى المغضوب عليه. والحق إذا أفردته عن العالم، يتعالى علوا كبيرا عن هذه الصفة على هذا الحد. وإذا كان الحق هوية العالم، فما ظهرت الأحكام كلها إلا فيه ومنه) أي، الغاضب والمنتقم إنما يغضب وينتقم ليجد الراحة بذلك الانتقام، وينتقل الألم الذي كان عنده إلى المغضوب عليه. والحق تعالى من حيث ذاته وانفراده عن العالم غنى عن العالمين، متعال عن هذه الصفة علوا كبيرا. ومن حيث إن هوية العالم عين هوية الحق، فما ظهر أحكام الرضا والغضب كلها إلا من الحق وفي الحق. فإن خطر ببالك أن هذا الكلام مبنى على أن الغضب والانتقام المنسوب إليه تعالى كالغضب والانتقام المنسوب إلينا، وأما إذا كان بمعنى آخر فلا يكون كذلك.
فعليك أن تتأمل في قوله، صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته).
ليندفع ذلك الوهم.
(وهو قوله: (وإليه يرجع الأمر كله). حقيقة وكشفا (فاعبده وتوكل عليه) حجابا وسترا.) أي، قولنا: (فما ظهرت الأحكام إلا فيه ومنه) وهو معنى قوله