شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٠٠٨
محبته فيك، لأن المحبوب يحب من يحبه ويغار عليه إذا اشتغل بغيره. فإذا رأى أنك اشتغلت عنه بغيره ابتلاك ببلاء (لترجع إليه بالشكوى، فيرفعه عنك، فيصح الافتقار الذي هو حقيقتك.) إنما جعل الافتقار الذي هو صفة العبد عين حقيقته، لكونه لازما ذاتيا له (26) وبه يتميز العبد عن ربه.
(فيرتفع عن الحق الأذى بسؤالك إياه في رفعه عنك.) وذلك لأن حقيقتك هوية الحق الظاهر في صورتك، فإذا سألت رفع الأذى عنك، سألت رفع الأذى عنه.
(إذ أنت صورته الظاهرة. كما جاع بعض العارفين، فبكى. فقال له في ذلك من لا ذوق له في هذا الفن معاتبا له. فقال له العارف: إنما جوعني لأبكي. فيقول:) أي صاحب البلاء. (إنما ابتلاني بالضر لأسأله في رفعه عنى، وذلك لا يقدح في كوني صابرا. فعلمنا أن الصبر إنما هو حبس النفس عن الشكوى لغير الله.) ظاهر.
(وأعنى بالغير وجها خاصا من وجوه الله. وقد عين الحق وجها خاصا من وجوه الله، وهو المسمى وجه الهوية، فيدعوه من ذلك الوجه في رفع الضر عنه، لا من الوجوه الأخر المسماة أسبابا. وليست إلا هو من حيث تفصيل الأمر في نفسه.) هذا جواب عن سؤال مقدر. وهو قول القائل: جميع الموجودات مظاهر الحق و ليس للغير وجود، فكيف يتصور الشكوى لغير الله؟ فأجاب بأن المراد بالغير هو الهوية المتعينة بتعينات مقيدة، جزئية كانت أو كلية، وهي الوجوه الخاصة.
والحق سبحانه قد عين وجها خاصا، وهي المرتبة الإلهية الأحدية الجامعة،

(26) - قوله: (لكونه لازما ذاتيا). ليس الافتقار لازم الحقيقة، بل عينها، فإن الحقيقة هي الوجود الذي عين الربط والافتقار. اللهم إلا أن جعل الحقيقة هي المهية، فيكون الافتقار لازما لها لا عينها، فإن المهيات مناط الاستغناء، لا الافتقار. هذا على مسلك الحكيم المتأله. وأما ذوق العرفان فيقتضى أن يكون المفتقر ذات المهية، فإنها المجعول، و ليس في الوجود جعل أبدا. نعم، له الظهور والبطون والأولوية والآخرية، وليس هذا بجعل. تدبر تعرف. وتحت ذاك سر لا يجوز إظهاره. (الإمام الخميني مد ظله)
(١٠٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1003 1004 1005 1006 1007 1008 1009 1011 1012 1014 1015 ... » »»