شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٦٦
التقرير، لا العمل بما جاء به ذلك الشرع، إلا ما تعلقت المشيئة أيضا بعمله.
(فالمشيئة سلطانها عظيم، ولهذا جعلها أبو طالب (20) (عرش الذات)) (21) أي، مظهرا به يظهر مقتضيات الذات في الوجود العلمي والعيني، (لأنها لذاتها تقتضي الحكم، فلا يقع في الوجود شئ ولا يرتفع خارجا عن المشيئة، فإن الأمر الإلهي إذا خولف هنا بالمسمى (معصية)) أي، بما يسمى معصية. (فليس إلا الأمر بالواسطة. لا الأمر التكويني) أي، الأمر قسمان: أمر بواسطة المظاهر، كالأنبياء والأولياء والمجتهدين، وأمر بغير الوسائط. وما لا واسطة فيه، وهو الأمر التكويني، لا يمكن المخالفة فيه، كقوله تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون). وما كان بالواسطة، فقد يقع المخالفة فيه. لذلك آمن بعض الناس بالأنبياء وكفر بعض، وممن آمن أتى بجميع أوامرهم بعضهم، ولم يأت بعضهم.
(فما خالف الله أحد قط في جميع ما يفعله من حيث أمر المشية.) لأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن (فوقعت المخالفة من حيث أمر الواسطة. فافهم.) أي، فالمخالفة ما وقعت إلا في أمر الواسطة.
(وعلى الحقيقة فأمر المشيئة إنما يتوجه إلى إيجاد عين الفعل، لا على من ظهر على يديه فيستحيل أن لا يكون، ولكن في هذا المحل الخاص) أي، لا يتعلق أمر المشيئة على الحقيقة إلا بإيجاد عين الفعل، لكن في هذا المحل الخاص، لا على فاعله ليلزم أن يكون عدم الفعل منه مستحيلا. فالمحل شرط صدور الفعل، وتعلق

(20) - مراد أبو طالب مكي، محمد بن على، مؤلف قوت القلوب مى باشد كه به سال 383 ه‍ ق در دار السلام بغداد رحلت نمود.
(21) - إن كان المراد بها هي المشيئة الذاتية التي يعبر عنها غالبا ب‍ (الإرادة) تكون عرش الذات الأحدي الجمعي ومستواه. وإن كان المراد بها المشيئة المصطلحة، أي (الفيض المقدس الإطلاقي)، تكون عرش الذات الإلهي. وبالأول يظهر الوجود العلمي في النشأة العلمية وحضرة الأعيان، وبالثاني الوجود العيني في النشأة الكونية وحضرة الإمكان. (الامام الخميني مد ظله) * واعلم، أن المشيئة يتعلق بظهور الأسماء والأعيان عن التعين الأول في المرتبة الواحدية و تعين الثاني، ويظهر أحكام الأعيان في الخارج. ومن هذه الجهة عبر أبو طالب المكي عن المشيئة ب‍ (عرش الذات). قال الإمام، على بن موسى، عليه السلام، ليونس بن عبد الرحمن: (يا يونس، أتعرف المشيئة؟ قال: لا. ثم قال، عليه السلام: المشيئة هي الذكر الأولى). ثم قال: (أتعرف ما الإرادة؟ قال: لا. ثم قال: هي العزيمة على ما يشاء). (الأصول الكافي الشريف، كتاب التوحيد، باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين، الحديث الرابع).
ومن هذا الحديث الولوي الشريف يظهر أن الإرادة هي الظل الممدود للمشيئة وتكون من تعيناتها، والمشيئة هي الذكر الأولى ويتنزل وتظهر بصورة الإرادة، والإرادة تتنزل وتظهر في الحقائق الوجودية وتقبل الأسماء المتعددة. (طبايع جز كشش كارى ندانند حكيمان اين كشش را عشق خوانند).
وفي كلامهم، عليهم السلام: (لا يكون شئ في السماء والأرض إلا عن علم ومشيئة وإرادة و قضاء وإمضاء). وورد أيضا: (علم وشاء وأراد و...).
تقدم (مشيت) بر (اراده) وتقدم (علم) بر اين دو، وذكر اراده بعد از مشيت، كثير الدور است در لسان مبارك ساداتنا وأئمتنا عليهم السلام. (ج)
(٩٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 961 962 963 964 965 966 967 968 969 970 971 ... » »»