شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٦٨
(ولما كان الأمر في نفسه على ما قررناه، لذلك كان مآل الخلق إلى السعادة على اختلاف أنواعها.) أي، لما كانت الأفعال كلها بمشيئة الله كما قررناه - من أنه لا يقع شئ إلا بالمشيئة الإلهية ولا يرتفع إلا بها - كان مآل الخلق في الآخرة إلى السعادة على اختلاف أنواع الخلائق وسعاداتهم.
(فعبر عن هذا المقام بأن الرحمة وسعت كل شئ وأنها سبقت الغضب الإلهي.) أي، عبر الحق عن لسان هذا المقام ب‍ (أن الرحمة وسعت كل شئ).
فإن المشيئة الإلهية (22) وسعت جميع الأشياء أعيانها وأحوالها، لأنها بها وجدت في العلم، وبها ظهرت في العين.
وقال أيضا: (إن رحمتي سبقت غضبي). فرحمته السابقة مشيئته الذاتية العامة السابقة على كل شئ، (23) أسماء كانت أو أعيانا.
(والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر، حكم عليه المتقدم، فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق) أي، إذا لحقه حكم الغضب الذي هو المتأخر بواسطة المخالفة، حكم عليه المتقدم بالرحمة السابقة، فأخذته من يد (المنتقم). و حكم الغضب إما قبل أخذ المنتقم حقه منه، (24) أو بعده، أو حال الانتقام، لأن السابق على الغضب هو الرحمة، فالمآل أيضا إليها.
(فهذا معنى سبقت رحمته غضبه) اعلم، أن (السبق) يستعمل على معان:
منها التقدم بالوجود ومنها قولهم: سبق الفرس الفرس. أي، لحقه وتعداه. ومنها سبقه فلان في الصنعة، أو في الكرم. أي، زاد عليه وغلبه. وفي قوله تعالى:

(22) - أي، متعلق المشيئة، أعم من الإرادة، والإرادة ظلها. وبالمشيئة تظهر الأسماء والأعيان من مقام الاستجنان العلم الإجمالي إلى عرصة العلم التفصيلي ومقام ظهور الأسماء والأعيان في القدر العلمي. (ج) (23) - ولذا عبر الثامن لأقطاب الوجود، عليه السلام، عن المشيئة ب‍ (الذكر الأولى). (ج) (24) - في ط گ‍ وم ق: (وحكم الغضب إما قبل أخذ المنتقم وحكم الغضب حقه). وفي م ل، النسخة المعتمدة عليها: (وحكم الغضب إما قبل أخذ المنتقم حقه منه، أو حال الانتقام). لأن السابق على الغضب هو الرحمة والمآل أيضا إليها. أي، الرحمة. (ج)
(٩٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 963 964 965 966 967 968 969 970 971 973 974 ... » »»