شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٧٨
الحقيقي، ومع هذا ذم بعض الأفعال وحمد بعضها.
وقيل معناه: ذم من الأعيان ما ذم، وحمد ما حمد إذا أضيف إليها الفعل.
والأول أنسب لما نفى الفعل عن العبيد.
(ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله.) أي، إذا ذم أحد شيئا لا يوافق غرضه وجعله مذموما، فذلك الذم مذموم عند الله، لأن صاحبه واقف عند غرضه وحظ نفسه، بخلاف ما يذمه الشرع، فإنه إخبار عما في نفس الأمر على ما هو عليه، ولا غرض للشارع في ذلك.
(فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله، أو من أعلمه الله.) وهذا تصريح منه على أن الحسن والقبح شرعي لا عقلي (11) (كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمتعدي حدود الله فيه) أي، في هذا المعنى نزل: ((ولكم في القصاص حيوة يا أولى الألباب). و هم)، أي، أولوا الألباب. (أهل لب الشئ الذين عثروا) أي، اطلعوا. (على أسرار النواميس الإلهية) أي، الشرائع الإلهية (والحكمية.) أي، الأحكام التي يقتضيها العقل. أي، أولو الألباب هم الذين عرفوا أسرار الوجود و حكم الأحكام الشرعية والعقلية كلها.

(11) - ولا يخفى على الفطن أن الشيخ نفى المسلك الأشعري في الحسن والقبح، لعدم جواز الترجيح بلا مرجح، إلا أنه ربما لا يصل العقل إلى ملاك الأحكام، والشرع يكشف عنه لعلمه تعالى بلوازمهما. وليس مراد الشيخ أن الشرع يجعل بعض الأشياء حسنا وبعضها قبيحا من غير اقتضاء ذات الشئ حسنا أو قبيحا بحيث ينجر الأمر إلى الترجيح بلا مرجح. نعم، القائل بالإرادة الجزافية وتخصيص الإرادة الإيجاد من دون غاية وغرض لا يستحيى عن نفى العلية والمعلولية وتحقق الشئ قبل بلوغه حد الإيجاب وامتناع العدم. و من العجب أن الشيخ المؤلف صرح بأن ذم الشرع أو مدحه لحكمة يعلمها الله. ومن الواضح جدا درك العقل الحسن والقبح في كثير من الأشياء، كالوفاء بالعهد أو نقضه، و حسن رد الأمانة إلى أهلها، وقبح إتلاف المال، وتقبيح العقلاء التجاوز إلى حقوق الناس مع عدم اعتقاد بعضهم بالشرائع الإلهية. (ج)
(٩٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 973 974 975 976 977 978 979 980 981 982 983 ... » »»