شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٦٩
(سبقت رحمتي غضبي). جميع هذه المعاني مرعية:
أما الأول، فإنه لو لم تكن رحمته، لما وجد شئ من الأشياء فضلا عن الغضب.
وأما الثاني، فلأنه يلحق الرحمة فتأخذ المجرم من يد المنتقم.
وأما الثالث، فعند توجه (المنتقم) إليه من الانتقام، قد يتوجه (الرحمن) بالمغفرة والرحمة إليه، فلا يبقى له حكم عليه.
فقوله: (هذا) إشارة إلى قوله: (والسابق متقدم) إلى آخره. وهو يجمع المعاني الثلاث. لذلك قال: (فهذا معنى سبقت رحمتي غضبي).
(لتحكم على من وصل إليها، فإنها في الغاية وقفت) أي، لتحكم الرحمة على كل من وصل إليها، أي، إلى الرحمة. وفاعل (وصل) ضمير عائد إلى (من).
فإن الرحمة السابقة على كل شئ لا يقف إلا في الغاية والنهاية، ليكون (الأول) عين (الآخر). فالرحمة الإلهية أول الأشياء وآخرها.
(والكل سالك إلى الغاية فلا بد من الوصول إليها) أي، إلى الغاية. (فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب.) أي، وكل العباد، بل وكل الأشياء، سالك بقطع مراتب الوجود العلمي والعيني بالحركة الدورية الوجودية، فلا بد من الوصول إلى غاياتها وكمالاتها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب وأحكامه، لأن غايات الأشياء وكمالاتها لا يكون إلا مرغوبا فيها، لا مهروبا عنها.
(فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما يعطيه حال الواصل إليها.) أي، فحينئذ يكون الحكم للرحمة في كل عين من الأعيان التي وصلت إلى الغاية، فتعم الرحمة عليها جميعا، لكن على حسب درجاتهم وتفاوت طبقاتهم: فيكون للبعض نعيم في عين الجحيم، ولبعض آخر في الجنة، ولآخر في (الأعراف) الذي بينهما.
(فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا * وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا) (*)
(٩٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 964 965 966 967 968 969 970 971 973 974 975 ... » »»