شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٥٩
يحتمل أن يكون العامل فيه (تنفخ)، فيكون طيرا.) أي، قال تعالى في حقه: (و يحيى الموتى). ونسب الإحياء إليه وأضافه بطريق التحقيق، وإن كان من حيث إنه آلة والفاعل على الحقيقة والمحيي للأموات هو الله، فنسبة الإحياء إليه بطريق التوهم، وخلق الطير ينسب إليه بطريق التحقيق، وبطريق التوهم. كما قال أيضا في حقه: (فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله) ومتعلق بإذن الله. والعامل فيه يجوز أن يكون (فيكون)، ويجوز أن يكون (فتنفخ). وعلى الأول، فيكون النفخ من عيسى والكون من الطير بإذن الله وأمره. كما مر في (الفص اللوطي) أن الأمر من الله والتكون من نفس المأمور ب‍ (كن). أو من أمر الله. وعلى التقديرين، لا يكون من عيسى إلا النفخ فقط. وعلى الثاني، يكون الخلق منه حين كونه مأذونا به. فاجتمع فيما صدر منه من الإحياء والخلق جهتا التحقيق والتوهم، كما اجتمع فيما خلق منه.
وقوله: (من حيث صورته الحسية الجسمية) قيل (17) معناه: إنه يكون من حيث صورته طيرا، ولا يكون طيرا بالحقيقة (18) وفيه نظر. لأن المخلوق الطير بالحقيقة - وهو الخفاش - لا صورة الطير، وليس جعل صورة الطير مجردا عن روحه مما يعد من المعجزات. بل معناه: فيكون طائرا محققا صادرا من عيسى من حيث صورته المحققة في الحس، لأن كلامه حينئذ في إثبات كونه محققا. كما قال هذا القائل: (وإن جعلنا العامل ينفخ، كان الموجب لكونه طيرا هو نفخ عيسى بإذن الله). وإذن الله لعبده في الإتيان بخوارق العادات قسمان: ذاتي قديم، و عرضي حادث (19) أما الأول. فهو جعل الحق عين العبد مستعدا قابلا للتصرف

(17) - والقائل هو الشيخ العارف، المولى عبد الرزاق، في شرحه على هذا الموضع. (ج) (18) - قال الشيخ كمال الدين عبد الرزاق الكاشاني (رض): (وكان طيرا من حيث أن صورته الجسمية الحسية صورة طير، لا طيرا بالحقيقة). (ج) (19) - قوله: (ذاتي قديم...). قال شيخنا الأستاذ: (الذاتي القديم كإذن الله للعين الثابتة الأحمدية، لإحاطته بجميع الأعيان وكون سائر الأعيان مندكة فيه فانية في حضرته.
والعرض غير ذلك). أقول ليس المراد ذلك. بل المراد أن القابليات لما كانت بالفيض الأقدس في النشأة العلمية، كما قال الشيخ، والقابل من فيضه الأقدس، كان الإذن في تلك النشأة إذنا ذاتيا قديما تبعا للتجلي الذاتي القديم. وأما الوجود المفاض بالفيض المقدس على الأعيان في النشأة العينية، فعارض حادث، فالإذن عرض حادث تابع.
والفرق بين ما ذكرنا وبين ما أفاد شيخنا، دام ظله، واضح. كما لا يخفى. (الامام الخميني مد ظله)
(٨٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 854 855 856 857 858 859 860 861 862 863 864 ... » »»