شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٦١
هذه الصورة هذين الوجهين.) أي، ولو لا أن في أصل الخلقة العيسوية - وهو المراد ب‍ (الأمر) - جهتا التوهم والتحقق، ما قبلت صورة عيسى لهذين الوجهين.
(بل لها هذان الوجهان، لأن النشأة العيسوية تعطى ذلك.) ظاهر مما مر.
وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن (يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)، وأن أحدهم إذا لطم في خده، وضع الخد الآخر لمن يلطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه. هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع، لأنها تحت الرجل حكما وحسا.) إنما قال: (شرع لأمته) على صيغة الماضي، والمشرع لها رسول الله، عليه السلام، لأنه حين نزوله من السماء لا بد أن يقرر أمر الجزية، كما شرع عليهم رسول الله، صلى الله عليه وآله، فهو بمعنى المضارع. ومثله قوله تعالى: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار). أي، ينادى في الآخرة. وذلك لأن ما هو ثابت في علم الله لا بد أن يكون، فهو بمنزلة ما كان وتحقق.
وفيه سر آخر يظهر لمن عرف أحوال الكمل ودرجاتهم. والمراد أنه لما كان عيسى، عليه السلام، من ماء مريم، وهي الجهة المتحققة في أصل خلقته، خرج في غاية التواضع إلى أن يشرع لأمته، أي، تقرر حكم الشريعة المحمدية لأمته عند نزوله أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون متواضعون جاعلون لأنفسهم حقيرا منقادا، (20) كما قرر لأمته أنه إذا لطم أحدهم في خده، يدير الخد الآخر ليلطمه، و

(20) - قوله: (وفيه سر آخر). فإن عيسى، عليه السلام، لما بلغ مدارج الكمالات المعنوية حتى اتصل قوسه بقوس ولاية رسول الله (ص)، يكون تشريع رسول الله (ص) الذي هو ظهور الولاية ورقيقتها تشريعه، عليه السلام، فصح أن يقال شرع عيسى، عليه السلام، الجزية. وأيضا، لما كان لرسول الله (ص) مقام جمعي إحاطي أحدي، تكون شريعته كل الشرائع، فيكون تشريعه تشريع عيسى (ع)، فلذا يكون الإيمان به إيمانا بكل الأنبياء روحا. وهذا أحد الاحتمالات في الآية الشريفة الآمرة بالإيمان بالأنبياء. وجعله من أركان الإيمان بالأنبياء ليس مجرد العلم بوجودهم والتصديق بكونهم صاحب الشريعة، بل الظاهر منه تحمل شريعتهم. كما لا يخفى. (الامام الخميني مد ظله)
(٨٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 856 857 858 859 860 861 862 863 864 865 866 ... » »»