شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٦٣
(وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء، فمن جهة نفخ جبرئيل في صورة البشر، فكان عيسى يحيى الموتى بصورة البشر.) أي، قوة الإحياء والإبراء التي كانت في عيسى، عليه السلام، هي مستفاد من نفخ جبرئيل في مريم، عليها سلام الله، حين تمثل في صورة البشر، كما استفاد التواضع من مريم، فإن الهيئات الغالبة على نفوس الوالدين حال اجتماعهما مؤثرة في نفس الولد وسارية فيها.
فكذلك ظهر عيسى بحيث يحيى الموتى وتبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، كما ظهر من جهة أمه متواضعا.
(ولو لم يأت جبرئيل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية، من حيوان أو نبات أو جماد، لكان عيسى، عليه السلام، لا يحيى الموتى إلا حين يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها.) أي، ولو أتى جبرئيل على صورة غير الصور الإنسانية، لكان عيسى يظهر بتلك الصورة، إذ الولد أكثر مشابهة لوالده من غيره. أو حين الإحياء، كما يظهر بتلك الصورة، ليؤثر ويتصرف في غيره، لأن للصورة أيضا مدخلا في العلية. لذلك يخلق من نطفة الإنسان من هو على صورته، ومن نطفة الحمار ما هو على صورته. فيتحفظ صور الأنواع بمراعاة الصور.
(ولو أتى جبرئيل بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان - إذ لا يخرج عن طبيعته - لكان عيسى لا يحيى الموتى إلا حين يظهر في تلك الصورة الطبيعية النورية، لا العنصرية.) أي، لو ظهر جبرئيل بصورته النورية التي له في السدرة الخارجة عن طبيعة السماوات والعناصر - فإن كلها عنصرية - لكان عيسى لا يحيى الموتى إلا حين تظهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية، لأن تلك الصورة أيضا جزء للعلة، وهي له طبيعية، والشئ لا يخرج عن طبيعته بمجرد تنزله إلى مرتبه ما هو تحته. ففي الكلام تقديم وتأخير. هذا على أن (إذ)
(٨٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 858 859 860 861 862 863 864 865 866 867 868 ... » »»