إرادة الله بإيجاد عيسى، عليه السلام، من مريم، تحرك الشهوة الكامنة فيها بأمر الله، ونفخ الروح الأمين حين تمثله بالصورة البشرية فيها ماء يشبه البحار، فإن في النفس أجزاء صغارا مائية مختلطة بالأجزاء الهوائية، فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم، ومن ماء متوهم من جبرئيل.
وإنما جعله متوهما، لأن النافخ روح متمثل، والمنفوخ أيضا معنى جزئي تمثل بصورة بخار الحسى في العالم المثالي، ومن شأن الوهم إدراك المعاني الجزئية، فكان متوهما: لا محسوسا محضا ولا معقولا صرفا. وأيضا، أن مريم لما شاهدت عرفا أن الإنسان لا يتولد إلا من منى الرجل والمرأة، توهمت أن لهذا المتمثل ماء كماء المولد للولد، فتأثرت تأثرا تاما بوهمها، فحصل جسم عيسى. فعلى الأول تكون جسمه منهما، وعلى الثاني تكون من الماء المحقق، والماء والمتوهم كالشرط لذلك التكون. وأطلق التكون منهما مجازا.
فإن قلت: كيف يمكن حصول الولد من ماء الأنثى وحده، وليس لها حرارة تامة صالحة للتولد وهي من شروط التكوين؟ وأيضا، منى الرجل كالبذر الذي به يتولد الولد، فعند عدمه لا يمكن حصول الولد.
قلت: لم لا يجوز أن يفيض عليها عند ظهور الروح الأمين عندها من الله تلك الحرارة الغريزية الصالحة للتوليد؟ خصوصا عند إرادة الحق تعالى منها ذلك. وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبد خيرا هيأ أسبابه). بل في قدرة القادر المطلق أن يوجد من غير وجود الوالدين، كآدم و عزير، ومن غير وجود المرأة، كايجاد حوا من آدم. وكون منى الرجل كالبذر لا ينافي أن يكون منى المرأة أيضا ذلك البذر. ولا دليل لأحد على عدمه، بل الدليل ثابت على وجوده. وهو أن لنفس كل منهما قوة ما يولد المثل، فالمني الذي حصل منها إن لم تكن صالحا لتوليد المثل، لا يكون فيها تلك القوة. غاية ما في الباب، أن تلك القوة في نفس الرجل أقوى، وقد يكون نفس المرأة أقوى تأثيرا من نفوس كثيرة من الرجال، خصوصا إذا صارت مرأة للتجليات الإلهية. فإذا أرادت النفس التي هذا شأنها حصول النتيجة، أثرت في بدنها، فحصلت الحرارة