شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٥٥
مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين). فتذكرت ذلك وزال انقباضها، فخرج عيسى، عليه السلام، منبسطا منشرح الصدر (15) (وكان جبرئيل ناقلا (كلمة الله) لمريم، كما ينقل الرسول كلام الله لأمته.) أي أخذ الكلمة العيسوية جبرئيل من الله، فنقلها إلى مريم من غير تصرف فيها، كما ينقل الرسول كلام الله لأمته من غير تغير وتبديل. وفي هذا التشبه إيماء إلى تشبيه الكلمة الإلهية الروحانية بالكلمة اللفظية الإنسانية، لأن كلا منهما إنما يحصل بواسطة التعين اللاحق على النفس في مراتبه التي تعبر النفس عليها.
والفرق أن هذه الكلمة تعينها يعرض على النفس الإنساني، والكلمة الروحانية تعينها يعرض على النفس الرحماني. وبهذا الاعتبار تسمى الأرواح، بل الموجودات كلها، بكلمات الله. كما مر بيانه في صدر الكتاب.
(وهو قوله: (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه).) الضمير عائد إلى (كلام الله) أي، ذلك الكلام المنقول مثل قوله تعالى: (وكلمته ألقاها إلى مريم و روح منه). وإنما أتى بالآية المعينة، لكونها دالة على ما هو في صدد بيانه. و تلك الكلمة المنقولة هو الذي قال تعالى عنه: (وكلمته ألقاها إلى مريم). و تذكير الضمير باعتبار المعنى وهو عيسى، عليه السلام. أو يكون عائدا إلى (النقل) الذي يتضمنه قوله: (ناقلا). أي، وذلك النقل ثابت بقوله تعالى: (وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه). وهذا أنسب.
(فسرت الشهوة في مريم وخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبرئيل. سرى في رطوبة ذلك النفخ من الجسم، لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.) اعلم، أن للشهوة روحا معنويا. وهي المحبة الذاتية التي كانت سببا لوجود العالم، كما قال: (فأحببت أن أعرف). فلما تعلق

(15) - قوله: (انبسطت عن ذلك...) وإنما قبلت مريم عليها السلام، قوله بمجرد الإظهار و انبسطت من قوله إما لما ذكره الشارح، أو لحصول الروح المعنوي لها، أو لكليهما. (الامام الخميني مد ظله)
(٨٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 850 851 852 853 854 855 856 857 858 859 860 ... » »»