شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٢٤
(فمن أنت؟) أي، إذا علمت أن الحق هو عين السالك وعين الطريق الذي يسلك السالك فيه، فقد علمت من أنت، حق أو خلق.
ثم حرص السالك ليعلم أن حقيقته حق، وطريقته حق، ولا يشاهد غيره في الوجود، فيلحق بأرباب الكشف والشهود بقوله: (فاعرف حقيقتك و طريقتك. فقد بان لك الأمر على لسان الترجمان إن فهمت). أي، ما ذكرته لك. و جواب الشرط متقدم، وهو قوله: (فقد بان لك الأمر).
والمراد ب‍ (الترجمان) نفسه. لأنه يترجم عما أراه الله من حقيقة الأمر. أو هود، عليه السلام، حيث قال: (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها). أو نبينا، صلى الله عليه وسلم، حيث قال عن الله: (كنت سمعه وبصره...) مع أن جميع الأنبياء والأولياء ترجمان الحق.
(فهو لسان حق). أي، لسان الترجمان لسان الحق. (فلا يفهمه إلا من فهمه حق). - بتشديد (الهاء)، من (التفهيم). أي، لا يفهم الأمر على ما هو عليه ولا يطاع على المراد إلا من فهمه بإلقاء نوره على قلبه.
ويجوز أن يكون (الهاء) ساكنة. أي، لا يفهم معنى لسان الترجمان الإلهي إلا من فهمه حق. أي، صار الحق عين فهمه. كما يصير عين سمعه وبصره وقواه وجوارحه، فيفهم بالحق كلام الحق.
(فإن للحق نسبا كثيرة ووجوها مختلفة). يتجلى بها على أعيان الموجودات بحسب استعداداتها. (ألا ترى عادا، قوم هود، كيف (قالوا، هذا عارض ممطرنا). فظنوا خيرا بالله). أي، ألا ترى أن قوم هود كيف قالوا لما تجلى عليهم الحق في صورة السحاب، إن هذا عارض. أي، سحاب ممطرنا وينفعنا.
فظنوا أن الحق تجلى لهم بصورة اللطف والرحمة. (وهو عند ظن عبده به. فأضرب لهم الحق عن هذا القول، فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب). أي، أضرب بقوله: (بل هو ما استعجلتم به). أي، هو مطلوبكم الذي يوصلكم إلى كمالكم ويعطيكم الخلاص من أنانيتكم، ويخرجكم من عالم التضاد والظلمة إلى عالم الوفاق والرحمة. وإنما كان هذا المعنى أتم وأعلى.
(٧٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 719 720 721 722 723 724 725 726 727 728 729 ... » »»