يوجب قربهم من ربهم لفنائهم فيه، وأن الحق هو عين السالك وعين الطريق و عين غايتها، إذ هو عين الأشياء كلها. وقوله (هي) راجع إلى (الحقيقة)، والمراد بها الحق. أطلقها عليه لأنه حقيقة الحقائق كلها (12) (وهو أنت من الغير). أي، تلك الغيرة الساترة للحقيقة الإلهية، هو أنت، لأن (الغيرة) مأخوذة من (الغير) والغير أنت من حيث تعينك. وإنما جاء بلفظ ضمير المذكر، تغليبا للخبر. (وهو أنت). وإنما لا حظ في الغيرة (الغير)، لأنها يستلزمه لفظا ومعنى: أما لفظا، فظاهر. وأما معنى، فلأنه لا يغار أحد على شئ إلا من الغير، لا من نفسه.
ويمكن أن يكون (أنت) خطابا لكل جاهل بالحق ومظاهره. لذلك قال:
(فالغير يقول: السمع سمع زيد، والعارف يقول: السمع عين الحق. وهكذا ما بقى من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق، فتفاضل الناس وتميزت المراتب). أي، تفاضل الناس في العلم بالحق وتميزت مراتبهم. (فبان الفاضل والمفضول). في الخلائق.
(واعلم، أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله) أي، أرواح رسله في عالم المثال المطلق. (وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد، صلوات الله عليهم أجمعين). إنما قيد ب (البشريين) ليخرج أنبياء أنواع آخر من الموجودات. فإن لكل نوع من الأنواع عندهم نبيا هو واسطة بينهم وبين الحق. كما نبه عليه سبحانه بقوله: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) (13) (في مشهد)، أي، في مقام ومرتبة حصل هذا الشهود فيه. (أقمت فيه بقرطبة)