شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٢٠
ما كان إلا توهما محضا، فانقلب جهنم في حقهم بالنعيم، لأنهم كسبوا باستعدادهم ذلك، فصاروا عارفين بالله ومراتبه. ولكن بعد أخذ (المنتقم) منهم حقه.
وتحقيق هذا المعنى أن (جهنم) مظهر كلي من المظاهر الإلهية، يحتوي على مراتب جميع الأشقياء، كما أن (الجنة) مظهر كلي، يحتوي على جميع مراتب السعداء. فأعيان الأشقياء إنما يحصل كما لهم بالدخول فيها، كما أن أعيان السعداء يحصل كمالهم بدخول الجنة. وإليه أشار النبي، صلى الله عليه و آله وسلم، بقوله: (إن العبد لا يزال يعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه و بين الجنة إلا شبرا، فيعمل عمل أهل النار فيدخل فيها. ولا يزال العبد يعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبين النار إلا شبرا، فيعمل عمل أهل الجنة فيدخل فيها). فكل من الأشقياء إذا دخل جهنم، وصل إلى كماله الذي يقتضيه عينه. وذلك الكمال عين القرب من ربه، كما أن أهل الجنة إذا دخلوا فيها، وصلوا إلى كمالهم ومستقرهم، وقربوا من ربهم. هذا إذا كان المراد ب‍ (المجرمين) أهل النار. وأما إذا كان المراد بهم السالكين، فالمراد بجهنم دار الدنيا، ولا إشكال حينئذ.
(فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة. وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها). أي، فما أعطاهم الحق هذا المقام، أي مقام الفناء، على سبيل الفضل والمنة، كما لأهل الجنة، بل إنما أخذوه بما أعطتهم أعيانهم من الأعمال التي كانوا عليها.
(فكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم، لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة). أي، وكانوا في سعيهم في أعمالهم التي عملوها بحسب متابعة الهوى والنفس، على الصراط المستقيم الذي لربهم الحاكم عليهم بالربوبية. هذا على الأول.
وعلى الثاني، كانوا في سعيهم في الرياضات والمجاهدات مع النفس و تحمل المشاق والأعمال الشرعية، على الصراط المستقيم، لأن نواصيهم
(٧٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 715 716 717 718 719 720 721 722 723 724 725 ... » »»