قبل وجود الأبدان.
ولما كانت الروح سدنة من سدنات الرب المطلق واسما من أسماء الحق تعالى، قال: (الحقية). فإنه بها يرب الحق الأبدان.
واعلم، أن كل من اكتحلت عينه بنور الحق، يعلم أن العالم بأسره عباد الله، وليس لهم وجود وصفة وفعل إلا بالله وحوله وقوته، وكلهم محتاجون إلى رحمته، وهو الرحمن الرحيم. ومن شأن من هو موصوف بهذه الصفات ألا يعذب أحدا عذابا أبدا. وليس ذلك المقدار من العذاب أيضا إلا لأجل إيصالهم إلى كمالاتهم المقدرة لهم، كما يذاب الذهب والفضة بالنار لأجل الخلاص مما يكدره وينقص عياره، فهو متضمن لعين اللطف والرحمة، كما قيل:
وتعذيبكم عذب وسخطكم رضى * وقطعكم وصل وجوركم عدل والشيخ (رض) إنما يشير في أمثال هذه المواضع إلى ما فيها من الرحمة الحقانية. وهي من المطلعات المدركة بالكشف، لا أنه ينكر وجود العذاب وما جاء به الرسل من أحوال جهنم. فإن من يبصر بعينه أنواع التعذيب في النشأة الدنياوية لسبب الأعمال القبيحة، كيف ينكره في النشأة الأخراوية. وهو من أكبر ورثة الرسل، صلوات الله عليهم أجمعين. فلا ينبغي أن يسئ أحد ظنه في الأولياء الكاشفين لأسرار الحق بأمره.
(فزالت حقيقة هذه النسب الخاصة، وبقيت على هياكلهم الحياة الخاصة بهم من الحق). أي، فزالت الأرواح المجردة التي هي من مدبرات الأبدان والحياة الفائضة عليها منها، وبقيت الحياة التي للأبدان بحسب روحانية كل من العناصر الأربعة. وهذا إشارة إلى أن لكل شئ، جمادا كان أو حيوانا، حياة وعلما ونطقا و إرادة، وغيرها مما يلزم الذات الإلهية، لأنها هي الظاهرة بصور الجماد والحيوان.
لكن لما كان ظهورها في الحس مشروطا بوجود مزاج معتدل إنساني، ظهر فيه ولم يظهر في غيره، ومن عدم ظهور الشئ في الشئ، لا يلزم أن لا يكون ذلك الشئ