شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٧٢٥
(فإنه إذا أمطرهم، فذلك حظ الأرض وسقى الحبة). المزروعة فيها. (فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر) - وفي بعض النسخ: (ذلك الظن) - (إلا عن بعد).
لأن المطر إذا سقى الحبة المزروعة، لا بد أن يمضى عليها زمان طويل ومدة كثيرة حتى تحصل نتيجته ويحصل منها الغذاء الجسماني، وهو من حظوظ أنفسهم المبعدة لهم من الحق. وهذا الإهلاك يوصلهم في الحال إلى ربهم ويقربهم منه.
(فقال لهم: (بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم).) وإنما كان استعجالهم في وصولهم إلى كمالهم وقربهم من غاية مرتبتهم. ولما كان هذا المطلوب لا يمكن حصوله إلا بفنائهم في الحق، أهلكهم الله عن أنفسهم و أفناهم عن هياكلهم، وهي أبدانهم الجسمانية الحاجبة عن إدراك الحقائق.
(فجعل) أي، الحق. ((الريح) إشارة إلى ما فيها من (الراحة) لهم، فإن بهذه (الريح) أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة) أي، الطرق الصعبة المهلكة. (والسدف المدلهمة). (السدف) جمع (سدفة) وهي الحجاب. و (المدلهمة) الليلة المظلمة.
(وفي هذه الريح عذاب، أي، أمر يستعذبونه إذا ذاقوه، إلا أنه يرجعهم لفرقة المألوفات). أي، الريح المهلكة وإن كانت في الظاهر مؤلمة موجعة لهم لإخراجهم عن العالم الجسماني المتألفة قلوبهم به، لكن فيها لطف مستور، لأن تحت كل قهر لله تعالى ألطافا مكنونة يستعذبونه إذا وصلوا إليه عقيب الوجع.
(فباشرهم العذاب،) أي، أهلكهم. (فكان الأمر إليهم أقرب مما تخيلوه).
أي، الأمر الذي كان مطلوبهم بالحقيقة، كان أقرب إليهم من المطلوب المتخيل لهم، وهو ما يحصل من المزروعات.
(قد مرت كل شئ بأمر ربها، فأصبحوا، لا يرى إلا مساكنهم، أي، جثتهم التي عمرتها أرواحهم الحقية). فأهلكت الريح كل شئ يتعلق بظاهرهم، بأمر ربها، وهو الواحد القهار. فبقيت أبدانهم خالية عن الأرواح المتصرفة فيها وعن قواها في قوله: (عمرتها أرواحهم الحقية) إشارة إلى أن الأرواح هي التي تعمر الأبدان، وتكونها أولا في رحم الأم، ثم تدبرها في الخارج، فهي موجودة
(٧٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 720 721 722 723 724 725 726 727 728 729 730 ... » »»