بيد الحق. كما قال، صلى الله عليه وسلم: (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء).
(فما مشوا بنفوسهم، وإنما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب).
أي، فما مشوا الهالكين بنفوسهم إلى جهنم، وإنما مشوا بحكم الجبر من القائد والسائق اللذين حكما على نفوسهم بحسب طلب أعيانهم منهما ذلك. فالجبر في الحقيقة عائد إلى الأعيان واستعداداتها، لأن الحق إنما يتجلى عليها بحسب استعداداتها. ولهذا السر ما أسند الجبر إلى الرب، بل إليهم. ((ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون).) استشهاد على القرب.
(وإنما هو يبصر، فإنه مكشوف الغطاء (فبصره حديد)) (هو) عائد إلى من حصل له القرب. أي، وإنما صاحب هذا القرب يبصر قرب الحق منه، لأنه انكشف عنه الغطاء، فصار بصره حديدا. كما قال في حق نبينا، صلى الله عليه و سلم: (فكشفنا عنك غطائك، فبصرك اليوم حديد).
وما قال (رض) لا ينافي قوله تعالى: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا). لأن العمى إنما هو بالنسبة إلى الله المطلق، رب الإنسان الكامل، وكشف الغطاء كونهم حديد البصر حينئذ بالنسبة إلى أربابهم الخاصة التي تربهم فيها.
(فما خص ميتا من ميت، أي، ما خص سعيدا في القرب من شقي). أي، ما خص قوله تعالى: (ونحن أقرب إليه منكم) ميتا من ميت، بل شمل الكل. و إنما قال: (ميتا من ميت) لأن ضمير إليه عائد إلى (الميت)، فما خص السعداء بالقرب، كما قال في موضع آخر:
((ونحن أقرب إليه من حبل الوريد). وما خص إنسانا من إنسان). هذا يدل بأن المراد ب (المجرمين) أيضا ليس قوما مخصوصا من السالكين أو أهل جهنم، بل يشملهما.
(فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الإخبار الإلهي. فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى.