ونفس - وكان هو السائق أيضا بظهوره في مظهر الهوى الذي به يدخل في حكم المضل - شرع في بيانه على سبيل الإيماء، وجاء بقوله تعالى: (ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا). استشهادا على أنه هو السائق، كما أنه هو القائد.
فيسوق المجرمين الكاسبين للهيئات والصفات التي بها دخلوا جهنم. واستحقوه بصور الأهواء الناشئة من نفوسهم في الظاهر، وهي ريح (الدبور)، لأنها حاصلة من الجهة الخلقية والعالم الهيولاني المظلمة إلى عين جهنم البعد المتوهم. ف (أهلكهم عن نفوسهم بها).
أي، أفناهم عنها بتلك الريح، وأوصلهم إلى ذاته. أو، أراد ب (المجرمين). الكاسبين للخيرات، السالكين طريق النجاة، المرتاضين بالأعمال الشاقة، المشتاقين لظهور حكم (الحاقة)، فإنهم يكسبون بها التجليات المفنية لذواتهم. فإنه ذكر في الفتوحات عند ذكر الأولياء: (إنه من الأولياء المشركون ومنهم المراؤون ومنهم الكافرون). وأمثال ذلك. إلا أن الكلام الآتي يؤيد الأول.
(فهو يأخذ بنواصيهم، والريح تسوقهم. وهي عين الأهواء التي كانوا عليها إلى جهنم، وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه. فلما ساقهم إلى ذلك الموطن، حصلوا في عين القرب، فزال البعد، فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق، لأنهم مجرمون). أي، الحق يأخذ بنواصي المجرمين ويسوقهم بريح الأهواء إلى جهنم. ثم، فسر جهنم ب (البعد) إيماء بأن كل من بعد من الحق بالاشتغال بالأمور الطبيعية والنفسانية، فهو من حيث ذلك في جهنم. ولما كان في نفس الأمر لا بعد لأحد من الله - إذ المواطن والمقامات كلها صور مراتب الحق - وصف (البعد) بأنه أمر متوهم، ينشأ من توهمهم أن في الوجود سوى وغيرا. فلما ساقهم الحق إلى ذلك الموطن، أي إلى دار جهنم وأهلكهم وخلصهم عن نفوسهم بالفناء فيه، حصل لهم عين القرب، وانكشف لهم أن البعد من الله