وللحق أيضا جنات ثلاث، تقابلها، لذلك قال تعالى: (فادخلي في عبادي وادخلي جنتي). فأضاف إلى نفسه. فأول جناته، الأعيان الثابتة، لأنه بها يستر، فيشاهد ذاته بذاته من وراء أستار الأعيان الثابتة. والثانية، استتاره في الأرواح بحيث لا يطلع عليه ملك مقرب ولا غيره. والثالثة، استتاره في عالم الشهادة بالأكوان، ليشاهد عوالمه من وراء الاستتار بحيث لا يشعر عليه الأغيار. وهذا بحسب استتار ذاته في الذوات في عوالمها، وكذلك استتاره بحسب الصفات والأفعال في صفاتها وأفعالها. فالعارف إذا قيل له: (أدخل جنتي) لم يفهم منه إلا: أدخل ذاتك وعينك وحقيقتك، لتجدني فيها ويشاهدني بها. لأن مطلوبه الحق فقط. بخلاف غير العارف، فإن جنته ما فيه حظوظ نفسه من المشارب والمآكل والمناكح وما يتعلق بها. لذلك قال (رض) مترجما عن الحق:
(وليست جنتي سواك، فأنت تسترني بذاتك). وتكون وقايتي في ذاتي وصفاتي و أفعالي بذاتك وصفاتك وأفعالك. (فلا أعرف إلا بك، كما أنك لا تكون إلا بي).
أي، لا أظهر في الأكوان إلا بك. فإنك مرآة ذاتي ومجلي صفاتي ومحل تصرفي و ولايتي، كما أنك لا توجد إلا بي، لأنك من حيث أنت عدم محض. (فمن عرفك عرفني). أي، من عرفك حق معرفتك، عرفني، فإن حقيقتك أنا. (وأنا لا أعرف، فأنت لا تعرف). أي، لا يمكن لأحد أن يعرف حقيقتي وكنه ذاتي، فأنت لا تعرف في الحقيقة. قال الشيخ (رض) في قصيدة له:
(ولست أدرك من شئ حقيقته وكيف أدركه وأنتم فيه) (فإذا أدخلت نفسك) وفي بعض النسخ: (فإذا دخلت) (جنته، دخلت نفسك، فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياها، فتكون صاحب معرفتين: معرفة به من حيث أنت، ومعرفة به بك من حيث هو، لا من حيث أنت). أي، إذا دخلت جنته، دخلت نفسك وذاتك و شاهدت أسرارها وما فيها من أنوار الحق وذاته، فتعرف نفسك معرفة أخرى