شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٥٤
قوله: (بذا جاء) أي، بما ذكر يشهد برهان العيان والكشف. (فما أرى بعيني) أي، بعين البصر والبصيرة، أو بعيني البصر، إلا عين الحق وذاته حين أعاين وأشاهد الموجودات في العقل وفي الخارج.
قوله: ((ذلك لمن خشى ربه). أن يكون هو لعلمه بالتميز). تتميم الآية.
ولما تكلم (رض) في مقام الجمع، شرع يتكلم في مقام الفرق بعد الجمع، لأن المحقق هو الذي يعطى حق المقامات كلها، لتكون عقيدته هيولى الاعتقادات، و لا يقف في شئ منها وإلا يكون مقيدا.
فقوله: (ذلك) إشارة إلى قوله تعالى: (رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى ربه). أي، ذلك المقام، الذي هو مقام الرضا عنهم، لا يحصل إلا لمن خشى ربه وانقاد حكمه بقيامه في مقام عبوديته، لعلمه بتميز مقامه عن مقام ربه.
فإن (الخشية) هي التواضع والتذلل لعظمة الرب. ولا يظهر بمقام الربوبية، ليكون عين ربه، فيدعى أنه هو. كما ظهر به أرباب الشطح (10) قال تعالى معاتبا للمسيح وتنبيها للعباد: (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟) والفرق بين المحقق وبين أهل الشطح: إذا ظهر كل منهم بمقام الربوبية، إن المحقق لا يظهر به إلا وقتا دون وقت، إعطاء لحق المقام لا عن غلبة حكم الوحدة عليه. ولو قيل له عند ظهوره به: إنك عبد. يقربه ويرجع إليه

(10) - قوله: (كما ظهر به أرباب...). ظهور أهل الشطح بالربوبية وإظهارهم إياها لنفسهم، ليس إلا لنقصان السلوك وبقاء الأنانية والإنية. فإن السالك إذا أراد بالسلوك إظهار القدرة والسلطة لما رأى أهل السر من الأولياء قد يظهرون ذلك، فاشتغل به لذلك، ربما يظهر نفسه وشيطانه له، ويتجلى بالربوبية، فإنه عبد نفسه، لا عبد ربه. قال شيخنا، دام ظله العالي، إن أكثر أهل الدعاوي الباطلة كانوا من أصحاب الرياضات الباطلة.
أقول: وميزان تميز الرياضة الباطلة عن غيرها، هو ذلك الذي ذكرنا. فعليك بخلوص النية وصدق السريرة مع ربك. فإن من أخلص لله أربعين صباحا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. كه اى صوفي شراب آنگه شود صاف كه اندر خم بماند اربعينى. (الامام الخميني مد ظله)
(٦٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 649 650 651 652 653 654 655 656 657 658 659 ... » »»