شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٤٨
(ففضل إسماعيل، عليه السلام، غيره من الأعيان بما نعته الحق به من كونه (عند ربه مرضيا) ظاهر. وكذلك كل نفس مطمئنة قبل لها: (إرجعي إلى ربك). فما أمرها أن ترجع إلا إلى ربها الذي دعاها فعرفته من الكل (راضية مرضية)). أي، و كذلك كل نفس اطمأنت وتركت الهوى واللذة الفانية، فهي راضية من ربها مرضية عنده، كما قال تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية). فأمرها أن ترجع إلى ربها الذي دعاها، أي، طلبها من الحضرة الإلهية الجامعة أن يكون مظهرا لكماله ومجلى لأنواره ومحلا لظهور سلطنته وأفعاله.
فعرفت تلك النفس المطمئنة ربها من بين الأرباب، فصارت راضية منه ومن أفعاله مرضية عنده.
((فادخلي في عبادي) من حيث ما لهم هذا المقام. فالعباد المذكورون هنا، كل عبد عرف ربه تعالى واقتصر عليه ولم ينظر إلى رب غيره مع أحدية العين لا بد من ذلك). (ما) في قوله: (من حيث ما لهم) زائدة. أي، فادخلي في زمرة عبادي الذين يعرفون أربابهم، وصاروا راضين مرضيين بهم وأفعالهم، واقتصروا على أربابهم، ولم ينظروا إلى غير أربابهم ولم يطلبوا إلا ما يفيض عليهم منهم مع أحدية الذات الإلهية الذي هو رب الأرباب كلها.
((وادخلي جنتي) التي هي ستري). بكسر السين. أي، حجابي. وفي بعض النسخ: (بها سترى). بفتح السين.
واعلم، أن (الجنة) في اللغة عبارة عن أرض فيها أشجار كثيرة بحيث يستر الأرض بظلها. مأخوذ من (الجن) وهو الستر. فالجنة مرة من (الجن) الذي هو (الستر). وفي اصطلاح علماء الظاهر عبارة عن مقامات نزهة ومواطن محبوبة من الدار الآخرة، وهي جنة الأعمال والأفعال. وللعارفين جنات أخر غيرها. و هي جنات الصفات، أعني، الاتصاف بصفات أرباب الكمال والتخلق بأخلاق ذي الجلال. وهي على مراتب، كما أن الأول على مراتب. ولهم جنات الذات. و هي ظهور رب كل منهم عليهم واستتارهم عنده في أربابهم. هذه الجنات الثلاث للعبد.
(٦٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 643 644 645 646 647 648 649 650 651 652 653 ... » »»