غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياها. أي، أن العبد إذا عرف نفسه ثم عرف بمعرفته إياها ربه، يكون صاحب معرفة واحدة. وهي عرفانك أنك عاجز فقير منبع للنقائص والشرور، وأن ربك قادر غنى معدن الكمالات والخيرات. أو عرفت أنك موصوف بالكمالات المعارة عليك عمن هي له بالأصالة، فعرفت أن ربك صاحب الكمالات الذاتية. أما إذا عرف ربه وعرف ظهوراته في المظاهر ثم رجع وتوجه إلى معرفة نفسه بربه، يعرفها معرفة أخرى أتم وأكمل من الأولى، لأنه عرفها أنها مظهر من مظاهر ربها، كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين سئل: بم عرفت ربك: (عرفت الأشياء بالله).
فيكون صاحب معرفتين: إحديهما، معرفة بالرب والنفس من حيث نفسك، و ثانيهما، معرفة بالرب والنفس من حيث ربك لا من حيث نفسك. والثانية هي الأتم من الأولى.
فضمير (به) في الموضعين يعود إلى (الرب). وكان الأنسب أن يقول:
معرفة به وبك من حيث أنت - أي بالرب والنفس كما قال في الثانية - ومعرفة به و بك من حيث هو. والظاهر أنه حذفه اعتمادا لفهم السامع من قوله: (فإذا...
دخلت نفسك، فتعرف نفسك معرفة أخرى). و (الباء) في (به) في الموضعين للصلة، وفي (بك) للسببية. أي، عرفته لسبب مظهريتك، لا من حيث إنك مغائره، بل من حيث إنك هو. أو تكون في (بك) للصلة، وفي (به) للسببية. أي، عرفت نفسك من حيث هو بسببه.
(فأنت عبد وأنت رب لمن له فيه أنك عبد) أي، فأنت عبد للإسم الحاكم عليك والظاهر فيك الذي يربك من باطنك. و أنت رب لذلك الاسم الذي بعينه أنت عبد له وفي حكمه، تربه لقبول أحكامه و إظهار كمالاته فيك، وذلك لأن لله تعالى ظاهرا وباطنا، والربوبية لهما ثابتة. فكما أن الباطن يرب الظاهر بإفاضة أنوار الغيب وإظهار أحكام الأسماء الإلهية الغيبية عليه، كذلك الظاهر يرب الباطن باستفاضة تلك الأنوار وقبولها وإظهار