شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٦٥٩
إليك). قال الله تعالى: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك). بل بالنسبة إلى ذاته تعالى كلها خير، لأنها وجودات خاصة، ظهرت في هذه المظاهر. لذلك أردفه بقوله تعالى: (قل كل من عند الله). أي، الحسنات المنسوبة إلى الله والسيئات المضافة إلى نفسك، كلها صادرة من عند الله.
فهي خيرات في أنفسها، لذلك صارت مقتضى أسماء الله، وإن كان بعضها شرورا بالنسبة إليك.
((فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله). ولم يقل: ووعيده. بل قال: (ويتجاوز عن سيئاتهم). مع أنه توعد على ذلك). وهذا (التجاوز) عام بالنسبة إلى أهل الجنة والنار. أما بالنسبة إلى أهل الجنة، فظاهر: حيث تجاوز عن ذنوب وجوداتهم و صفاتهم وأفعالهم، كما قال: (فقلت: وما أذنبت؟ قالت مجيبة: وجودك ذنب لا يقاس به ذنب). وأما بالنسبة إلى أهل النار من المؤمنين، فبالإخراج بشفاعة الشافعين، وبالنسبة إلى الكافرين يجعل العذاب لهم عذبا: أو برفعه مطلقا، كما جاء في الحديث: (ينبت في قعر جهنم الجرجير). وإن كانوا خالدين فيها. أو بإعطائهم صبرا على ما هم عليه من البلايا والمحن، فيتألفوا به، فلا يتألمون منه بعد ذلك - على ما سيأتي آنفا إنشاء الله تعالى.
(فأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد). وذلك لوفائه على العهود السابقة بإبراز الكمالات المودعة فيه وبعبادة ربه بحيث صار مرضيا عنده.
(وقد زال الإمكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح). أي، وقد زال في حق الحق إمكان وقوع الوعيد، إذ لا شك أن الحق تعالى وعد بالتجاوز فقال: (و يتجاوز عن سيئاتهم). وقال: (إن الله يغفر الذنوب جميعا).، (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).، (ويعفوا عن كثير) من السيئات. و أمثال ذلك. ووقوع وعده واجب، وهو التجاوز والعفو والغفران. فزال إمكان وقوع الوعيد، لأن وقوع أحد طرفي الممكن لا يمكن إلا بمرجح، وما ثم ما يطلب الوعيد إلا الذنب، وهو يرتفع بالتجاوز، فزال سبب وقوع الوعيد، وعدم العلة موجب لعدم المعلول. والوعيد إنما كان للتخويف والاتقاء ولإيصال كل منهم إلى
(٦٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 654 655 656 657 658 659 660 661 662 663 664 ... » »»