شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٢
في الخارج من الحقايق كالظلال لتلك الصور إذ هي التي تظهر في الخارج بواسطة ظهورها فيهما أولا ويحصل لهما العلم بها بعين تلك الصور الفايضة عليهما لا بالصور المنتزعة من الخارج، وتلك الحقايق عين حقيقة العقل الأول بل عين كل عالم بها بحسب الوجود المحض وان كانت من حيث تعيناتها ومعلوميتها غيرها، لأنا بينا ان الحقايق كلها راجعة إلى الوجود المطلق بحسب الحقيقة، فكل منها عين الآخر باعتبار الوجود وان كانت متغايرة باعتبار التعينات. وأيضا، هو أول صورة ظهرت في الخارج للحضرة الإلهية. وقد بينا ان الحقايق الأسمائية في هذه المرتبة من وجه عينها ومن وجه غيرها فمظهرها أيضا كذلك. فاتحاد الحقايق فيه كاتحاد بنى آدم كلهم في آدم قبل ظهورها بتعيناتها وان كانت بحسب هوياتهم مختلفة عند الظهور بل هو آدم الحقيقي. ويؤيده قوله عليه السلام: (أول ما خلق الله نوري) (15). والاختلاف بالماهيات كالاختلاف بالهويات، فان كلا منهما عبارة عما به الشئ هو هو، والفرق بينهما ان الماهية مستعملة في الكليات والهوية في الجزئيات.
فلا يقال، بنى آدم متحدة بالنوع والماهيات مختلفة بذواتها فلا يمكن اتحادها.
لأنا بينا ان الماهيات وجودات خاصة علمية متعينة بتعينات كلية وكلها متحدة في الوجود من حيث هو هو، والتميز العقلي بين العالم والمعلوم لا ينافي الوحدة في الوجود، فان الأشعة الحاصلة في النهار أو في الليلة القمراء واحدة في الوجود مع ان العقل يحكم بان نور الشمس أو القمر غير نور الكوكب.
واصل اتحاد المعلومات بالعلم والعالم انما هو اتحاد الصفات والأسماء والأعيان بالحق لا غير. هكذا حال الصور الحاصلة في كل عالم سواء كانت منتزعة أو غير منتزعة، فإنها ليست منفكة عن حقايقها لأنها كما هي موجودة في الخارج كذلك موجودة في العالم العقلي والمثالي والذهني، وحصول صورة الشئ منفكة عن حقيقتها لا يكون علما بها ضرورة، إذ الصورة غيرها عندهم. والانسان لكونه نسخة العالم الكبير مشتمل على ما فيه من الحقايق كلها بل هي عينه من وجه بعين ما مر، وما حجبه عنها الا النشأة العنصرية فبقدر زوال الاحتجاب

(15) - وورد أيضا (أول ما خلق الله نوري). وعن على، عليه السلام: (انا آدم الأول). وعنه أيضا: (انا القلم). وهو، عليه السلام، عين المشيئة السارية في المهيمين أولا وفي العقل و القلم ثانيا. وورد عن الأولياء المحمدية: (نحن المشيئة). ولذا عبر عن المشيئة بالحقيقة المحمدية البيضاء والعلوية العلياء وأول من بايعهم العقل الأول. ولذا قيل انه حسنة من حسناتهم. 12
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 89 90 91 92 93 97 98 99 100 ... » »»