عليها المعاني الموجبة للانجذاب إليها من تلك الأرواح فيحصل الشهود التام، ثم إذا انقطع حكم ذلك الفيض ترجع النفس إلى الشهادة متصفة بالعلم منتقشة بتلك الصور بسبب انطباعها في الخيال. وأما الأسباب الراجعة إلى البدن صحته و اعتدال مزاجه الشخصي ومزاجه الدماغي. والأسباب الراجعة إليهما الاتيان بالطاعات والعبادات البدنية والخيرات واستعمال القوى وآلاتها بموجب الأوامر الإلهية وحفظ الاعتدال بين طرفي الافراط والتفريط فيها ودوام الوضوء و ترك الاشتغال بغير الحق دائما بالاشتغال بالذكر وغيره خصوصا من أول الليل إلى وقت النوم. وأسباب الخطاء ما يخالف ذلك من سوء مزاج الدماغ واشتغال النفس باللذات الدنيوية واستعمال القوة المتخيلة في التخيلات الفاسدة والانهماك في الشهوات والحرص على المخالفات، فان كل ذلك مما يوجب الظلمة وازدياد الحجب. فإذا أعرضت النفس من الظاهر إلى الباطن بالنوم تتجسد لها هذه المعاني فتشغلها عن عالمها الحقيقي فتقع مناماته أضغاث أحلام لا يعبأ بها أوترى ما تخيله المتخيلة بعينه. وما يرى بسبب انحراف المزاج كثيرا ما يكون أمورا مزعجة لها بحسب تغير مزاج بدنها أكثر مما كان. فهذه الأمور المشاهدة كلها نتائج أحواله الظاهرة (ان خيرا فخيرا وان شرا فشرا). ومشاهدة الصور تارة يكون في اليقظة وتارة في النوم، وكما ان النوم ينقسم بأضغاث أحلام وغيرها، كذلك ما يرى في اليقظة ينقسم إلى أمور حقيقية محضة واقعة في نفس الامر وإلى أمور خيالية صرفة لا حقيقة لها شيطانية وقد يخالطها الشيطان بيسير من الأمور الحقيقية ليضل الرأي. لذلك يحتاج السالك إلى مرشد يرشده وينجيه من المهالك (6). والأول اما ان يتعلق بالحوادث أولا. فان كان متعلقا بها فعند وقوعها كما شاهدها، أو على سبيل التعبير وعدم وقوعها يحصل التميز بينها وبين الخيالية الصرفة وعبور الحقيقة عن صورتها الأصلية انما هو للمناسبات التي بين الصور الظاهرة هي فيها وبين الحقيقة ولظهورها فيها، أسباب كلها راجعة إلى أحوال الرائي، وتفصيله يؤدى إلى التطويل. واما إذا لم يكن كذلك فللفرق بينها وبين الخيالية الصرفة موازين يعرفها أرباب الذوق والشهود بحسب مكاشفاتهم كما ان
(١٠٠)