شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٩
الفصل الخامس في بيان العوالم الكلية والحضرات الخمسة الإلهية العالم لكونه مأخوذا من العلامة لغة عبارة عما به يعلم الشئ، واصطلاحا عبارة عن كل ما سوى الله تعالى، لأنه يعلم به الله من حيث أسمائه وصفاته، إذ بكل فرد من افراد العالم يعلم اسم من الأسماء الإلهية لأنه مظهر اسم خاص منها. فبالأجناس والأنواع الحقيقية يعلم الأسماء الكلية حتى يعلم بالحيوانات المستحقرة عند العوام (1) كالذباب والبراغيث والبق وغير ذلك أسماء هي مظاهر لها (2). فالعقل الأول لاشتماله على جميع كليات حقايق العالم وصورها على طريق الاجمال عالم كلي يعلم به اسم الرحمان، والنفس الكلية لاشتمالها على جميع جزئيات ما اشتمل عليه العقل الأول تفصيلا، أيضا عالم كلي يعلم به اسم الرحيم (3).
والانسان الكامل الجامع لجميعها اجمالا في مرتبة روحه وتفصيلا في مرتبة قلبه، عالم كلي يعلم به الاسم الله الجامع للأسماء. وإذا كان كل فرد من افراد العالم علامة لاسم إلهي وكل اسم لاشتماله على الذات الجامعة لأسمائها مشتمل

(1) - لا عند الخواص فإنها عندهم مظاهر الحق تعالى وأسمائه.
(2) - وإلى ذلك أشير فيما ورد ان عيسى لا يطرد الذباب الذي كان على وجهه أو ساير أعضائه ولا يحترز من الروايح المنتنة. 12 (3) - واعلم، ان احكام الرحمة الرحمانية والرحيمية غير ممتازة في العوالم الملكوتية والمثالية. وان الرحمة الرحمانية عبارة عن مرتبة بسط أصل الوجود أصول الأشياء وفروعها، والرحمة الرحيمية مرتبة بسط كمال الوجود. وان لله مأة رحمة انزل منها واحدة إلى الأرض وله تسعة وتسعين يرحم بها عباده يوم القيامة ولا شك ان الآخرة يوم تخليص الرحمة عن النقمات الدنيوية وعلى طريقة الشيخ ابن عربي بالآخرة بمقتضى قوله: (رحمتي وسعت غضبي) فان ارحم الراحمين صاحب رحمة الامتنانية الغير المرهونة بالعمل يشفع عند الاسم المنتقم و يصير الدولة دولته والمنتقم تحت سلطنته وحكمه. على ما حققه الأستاذ الوحيد في المآرب الذوقية والعلوم النقلية.
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 89 90 91 92 93 97 ... » »»