شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٨٢
الأعيان الثابتة في العلم فإنها أيضا عين ذواتها، إذا الوجود مع صفة معينة له في الحضرة العلمية يصير ذاتا (18) وعينا ثابتة، وقد يكون أمرا زائدا على ذاته حاصلا له دون غيره كامتياز الكاتب من الأمي بالكتابة، وقد يكون بعدم حصول ذلك الامر له كامتياز الأمي من الكاتب بعدم الكتابة. والأول لا يخلو اما من ان يعتبر حصول هذا الامر له مع قطع النظر عن عدم حصول غير ذلك الامر كاعتبارنا حصول الكتابة لزيد مع قطع النظر عن عدم حصول الخياطة له، أو يعتبر حصوله مع عدم حصول غيره له، فالتعين الزايد قد يكون وجوديا، وقد يكون عدميا، و قد يكون مركبا من الوجودي والعدمي. والنوع الواحد يجمع لجميع أنواعه لان الانسان مثلا ممتاز بذاته عن الفرس، وبحصول صفة وجودية في مظهر من مظاهره يمتاز عن الظاهر بصفة وجودية أخرى كزيد الرحيم الممتاز عن عمرو القهار، ويمتاز الظاهر بصفة وجودية عن الظاهر بصفة عدمية كالعليم من الجهول، ويمتاز الكاتب الغير الخياط عن الخياط الغير الكاتب بصفة وجودية مع صفة عدمية أخرى وبالعكس. والتعينات الزائدة كلها من لوازم الوجود، حتى ان الاعدام المتمايزة بعضها عن بعض تمايزها أيضا باعتبار وجوداتها في ذهن المعتبر لها أو باعتبار وجودات ملكاتها.
فلا يقال، ان الاختلاف بين الموجودات لو كان بالتعينات فقط لما كانت ممتازة بذواتها بل كانت بذواتها مشتركة كاشتراك افراد الانسانية في حقيقة واحدة.
لأنا نقول، الذوات انما تصير ذواتا بالتعينات العلمية، واما قبل تلك التعينات فليس الا الذات الإلهية التي هي الوجود المحض لا غير، كما قال النبي (ص): (كان الله ولم يكن معه شئ). فثبت ان اختلاف الأعيان بذواتها انما يحصل أولا من التعينات التي بها يصير الذوات ذواتا كما ان الاشخاص بالمشخصات صارت اشخاصا لان لها ذوات متمايزة بذواتها أو بصفاتها، والله اعلم.

(18) - أي، بحسب الصورة العلمية، فلا ينافي ما مر من ان الوجود يتحلى بصفة من الصفات فيتعين ويمتاز عن الوجود المتحلي بصفة أخرى فيصير حقيقة من الحقايق الأسمائية و بالجملة الفرق بين المسمى والاسم والصفة والعين الثابتة يظهر بالتحليل العقلي.
فليتأمل. (غلامعلى)
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 89 90 91 92 93 ... » »»