شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٨
القوى الخياليات مجلي ذلك العالم ومظهره. وانما يسمى بالعالم المثالي لكونه مشتملا على صور ما في العالم الجسماني (3)، ولكونه أول مثال صوري لما في الحضرة العلمية الإلهية من صور الأعيان والحقايق، ويسمى أيضا بالخيال المنفصل لكونه غير مادي تشبيها بالخيال المتصل. فليس معنى من المعاني ولا روح من الأرواح الا وله صورة مثالية مطابقة بكمالاته، إذ لكل منها نصيب من الاسم الظاهر.
لذلك ورد في الخبر الصحيح ان النبي، صلى الله عليه وسلم (رأى جبرئيل، عليه السلام، في السدرة وله ستمأة جناح). وفيه أيضا: (انه يدخل كل صباح ومساء في نهر الحياة ثم يخرج فينفض أجنحته فيخلق سبحانه من قطراته ملائكة لا عدد لها).
وهذا العالم المثالي يشتمل على العرش والكرسي والسماوات السبع والأرضين و ما في جميعها من الأملاك وغيرها. ومن هذا المقام ينتبه الطالب على كيفية المعراج النبوي وشهوده، صلى الله عليه وآله، آدم في السماء (4) الأولى ويحيى وعيسى في الثانية ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة وهارون في الخامسة وموسى في السادسة وإبراهيم في السابعة، صلوات الله عليهم أجمعين، وعلى الفرق بين ما شاهده في النوم والقوة الخيالية من العروج إلى السماء، كما يحصل للمتوسطين في السلوك، وبين ما يشاهد في هذا العالم الروحاني. وهذه الصور المحسوسة ظلال تلك الصور المثالية لذلك يعرف العارف بالفراسة الكشفية من صورة العبد أحواله، قال عليه السلام: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله). وقال عليه السلام في الدجال: (مكتوب على ناصيته ك، ف، ر) ولا يقرءه الا مؤمن. وقال تعالى: (سيماهم في وجوههم من اثر السجود) في حق أهل الجنة، وفي حق أهل النار: (يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام).
والمثالات المقيدة التي هي الخيالات أيضا ليست الا أنموذجا منه وظلا من ظلاله، خلقها الله تعالى دليلا على وجود العالم الروحاني، ولهذا جعلها أرباب الكشف متصلة بهذا العالم ومستنيرة منه كالجداول والأنهار المتصلة بالبحر و الكوى والشبابيك التي يدخل منها الضوء في البيت. ولكل من الموجودات التي في عالم الملك مثال مقيد كالخيال في العالم الانساني، سواء كان فلكا أو كوكبا أو

(3) - وقد روى: ان في العرش تمثال جميع ما خلق الله. قال النبي، عليه وآله السلام: (أطت السماء وحق لها ان تأطت، ما فيها موضع قدم الا وفيها ملك راكع أو ساجد ومنهم ركع لا يسجد وساجد لا يركع).
(4) - لعل المراد بالسماء مقاماتهم الكلية المرتفعة المحيطة بالأشياء وحقايقها وبالعروج إليها نيل تلك المقامات وإرادة الجهات المرتفعة والنشآت المحيطة. والسماء شايعة في كلام أهل اللسان، فليتدبر في قوله تعالى: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب). فإنه أيضا من جملتها. فافهم. (غلامعلى)
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 97 98 99 100 101 102 107 ... » »»