عنصرا أو معدنا أو نباتا أو حيوانا. فان لكل منها روحا وقوى روحانية وله نصيب من عالمه والا لم تكن العوالم متطابقة، غاية ما في الباب انه في الجمادات غير ظاهر كظهوره في الحيوان، قال الله تعالى: و (وان من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم). وقد جاء في الخبر الصحيح ما يؤيد ذلك من مشاهدة الحيوانات أمورا لا يشاهدها من بنى آدم الا أرباب الكشف أكثر من ان تحصى. و ذلك الشهود يمكن ان يكون في عالم المثال المطلق ويمكن ان يكون في المثال المقيد، والله اعلم بذلك. ولعدم شهود المحجوبين من الانسان جعلهم الله أسفل سافلين. والسالك إذا اتصل في سيره إلى المثال المطلق بعبوره عن خياله المقيد يصيب في جميع ما يشاهده ويجد الأمر على ما هو عليه لتطابقها بالصور العقلية التي في اللوح المحفوظ وهو مظهر العالم الإلهي، ومن هنا يحصل الاطلاع للانسان على عينه الثابتة وأحوالها بالمشاهدة لأنه ينتقل من الظلال إلى الأنوار الحقيقية كما يطلع عليها بالانتقال المعنوي، وسنبين ذلك، انشاء الله تعالى، في الفصل التالي.
وإذا شاهد أمرا ما في خياله المقيد يصيب تارة ويخطئ أخرى، وذلك لان المشاهد اما ان يكون أمرا حقيقيا أولا، فان كان، فهو الذي يصيب المشاهد فيه و الا فهو الاختلاق الصادر من التخيلات الفاسدة كما يختلق العقل المشوب بالوهم للوجود وجودا ولذلك الوجود وجودا آخر وللباري تعالى شريكا، وغيرها من الاعتباريات التي لا حقيقة لها في نفس الامر. قال تعالى: (ان هي الا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما انزل الله بها من سلطان). وللإصابة أسباب بعضها راجع إلى النفس وبعضها إلى البدن وبعضها إليهما جميعا. أما الأسباب الراجعة إلى النفس كالتوجه التام إلى الحق والاعتياد بالصدق وميل النفس إلى العالم الروحاني العقلي وطهارتها عن النقايص وإعراضها عن الشواغل البدنية واتصافها بالمجاهدة الخلقية، لان هذه المعاني توجب تنورها وتقويها وبقدر ما قويت النفس وتنورت يقدر على خرق العالم الحسى ورفع الظلمة الموجبة لعدم الشهود.
وأيضا يقوى بالمناسبة بينها وبين الأرواح المجردة لاتصافها بصفاتها (5)، فيفيض