شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٧
الفصل السادس فيما يتعلق بالعالم المثالي (1) اعلم، ان العالم المثالي هو عالم روحاني من جوهر نوراني شبيه بالجوهر الجسماني في كونه محسوسا مقداريا، وبالجوهر المجرد العقلي في كونه نورانيا. و ليس بجسم مركب مادي ولا جوهر مجرد عقلي لأنه برزخ وحد فاصل بينهما. وكل ما هو برزخ بين الشيئين لا بد وان يكون غيرهما، بل له جهتان يشبه بكل منهما ما يناسب عالمه.
اللهم الا ان يقال انه جسم نوري في غاية ما يمكن من اللطافة فيكون حدا فاصلا بين الجواهر المجودة اللطيفة وبين الجواهر الجسمانية المادية الكثيفة (2) وان كان بعض هذه الأجسام أيضا الطف من البعض كالسماوات بالنسبة إلى غيرها. فليس بعالم عرضي كما زعم بعضهم لزعمه ان الصور المثالية منفكة عن حقايقها، كما زعم في الصور العقلية. والحق ان الحقايق الجوهرية موجودة في كل من العوالم الروحانية والعقلية والخيالية ولها صور بحسب عوالمها، فإذا حققت وجدت القوة الخيالية التي للنفس الكلية المحيطة بجميع ما أحاط به غيرها من

(1) - لما كان تدبير الأجساد مفوضا إلى الأرواح وتعذر الارتباط بين الأرواح والأجساد للمباينة الذاتية بينهما خلق الله تعالى عالم المثال برزخا جامعا بين عالم الأرواح وعالم الأجساد ليصح ارتباط أحد العالمين بالآخر فيتأتى حصول التأثير والتأثر ووصول الامداد والتدبير. والدليل عليه بطريق النظر الامكان الأشرف. 12 (2) - وعن بعض الحكماء من الأقدمين: ان في الوجود عالما مقداريا غير عالم الحسى لا يتناهى عجائبه ولا يحصى مدنه. ومن جملة تلك المدن جابلقا وجابلسا. وهما مدينتان عظيمتان لكل منهما الف باب لا يحصى ما فيها من الخلائق. وأرباب الكشف من الاشراقيين والمتصوفة يدعون مشاهدة الصور المعلقة والمثالية وانها قائمة بذواتها. والمشائون قائلون بوجود هذه الصور في النفوس الفلكية. وأرباب الكشف يرون هذه الصور ويزعمون انها قائمة بذواتها. جابلقا وجابرصا من مدن عالم عناصر المثالي. و (هورقليا) هو عالم الأفلاك المثالي، لان للأفلاك عندهم فرد مجرد عقلاني وفرد مجرد مثالي. 12
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 97 98 99 100 101 102 ... » »»