الأعيان حيث ما يشاء الحق سبحانه، كما قال: (ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء). وهذا أعلى ما يمكن لعباد الله في مراتب الشهود (9)، لان فوق هذه المرتبة شهود الذات المفنية للعباد عند التجلي الا ان يتجلى من وراء الأستار الأسمائية (10) وهي عين الأعيان. وإليه أشار الشيخ، رضى الله عنه، في الفص الشيثي: (فلا تطمع ولا تتعب نفسك فإنها الغاية التي ما فوقها غاية).
واما الكشف المعنوي المجرد من صور الحقايق الحاصل من تجليات الاسم العليم والحكيم هو ظهور المعاني الغيبية والحقايق العينية، فله أيضا مراتب:
أولها ظهور المعاني في القوة المفكرة من غير استعمال المقدمات وتركيب القياسات، بل بان ينتقل الذهن من المطالب إلى مباديها ويسمى بالحدس، ثم في القوة العاقلة المستعملة للمفكرة وهي قوة روحانية غير حالة في الجسم ويسمى بالنور القدسي، والحدس من لوامع أنواره، وذلك لان القوة المفكرة جسمانية (11) فيصير حجابا ما للنور الكاشف عن المعاني الغيبية فهي أدنى مراتب الكشف. ولذلك قيل، الفتح (12) على قسمين: فتح في النفس وهو يعطى العلم التام نقلا وعقلا، وفتح في الروح وهو يعطى المعرفة (13) وجودا (14) لا عقلا ولا نقلا، ثم في مرتبة القلب. و قد يسمى الالهام في هذا المقام ان كان الظاهر معنى من المعاني الغيبية لا حقيقة من الحقايق (15)، وروحا من الأرواح المجردة أو عينا من الأعيان الثابتة فيسمى مشاهدة قلبية، ثم في مرتبة الروح فينعت بالشهود الروحي وهي بمثابة الشمس المنورة لسماوات مراتب الروح وأراضي مراتب الجسد. فهو بذاته آخذ من الله العليم المعاني الغيبية من غير واسطة على قدر استعداده الأصلي، ويفيض على ما تحته من القلب وقواه الروحانية والجسمانية، ان كان من الكمل والأقطاب، وان لم يكن منهم فهو آخذ من الله بواسطة القطب على قدر استعداده وقربه منه أو بواسطة الأرواح التي هو تحت حكمها من الجبروت والملكوت، ثم في مرتبة السر (16)، ثم في مرتبة الخفي (17) بحسب مقاميهما. ولا تمكن إليه الإشارة ولا يقدر على اعرابها العبارة وسنشير إلى تحقيق هذه المراتب، ان شاء الله تعالى.
وإذا صار هذا المعنى مقاما وملكة للسالك اتصل علمه بعلم الحق اتصال