شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٠
الأعيان حيث ما يشاء الحق سبحانه، كما قال: (ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء). وهذا أعلى ما يمكن لعباد الله في مراتب الشهود (9)، لان فوق هذه المرتبة شهود الذات المفنية للعباد عند التجلي الا ان يتجلى من وراء الأستار الأسمائية (10) وهي عين الأعيان. وإليه أشار الشيخ، رضى الله عنه، في الفص الشيثي: (فلا تطمع ولا تتعب نفسك فإنها الغاية التي ما فوقها غاية).
واما الكشف المعنوي المجرد من صور الحقايق الحاصل من تجليات الاسم العليم والحكيم هو ظهور المعاني الغيبية والحقايق العينية، فله أيضا مراتب:
أولها ظهور المعاني في القوة المفكرة من غير استعمال المقدمات وتركيب القياسات، بل بان ينتقل الذهن من المطالب إلى مباديها ويسمى بالحدس، ثم في القوة العاقلة المستعملة للمفكرة وهي قوة روحانية غير حالة في الجسم ويسمى بالنور القدسي، والحدس من لوامع أنواره، وذلك لان القوة المفكرة جسمانية (11) فيصير حجابا ما للنور الكاشف عن المعاني الغيبية فهي أدنى مراتب الكشف. ولذلك قيل، الفتح (12) على قسمين: فتح في النفس وهو يعطى العلم التام نقلا وعقلا، وفتح في الروح وهو يعطى المعرفة (13) وجودا (14) لا عقلا ولا نقلا، ثم في مرتبة القلب. و قد يسمى الالهام في هذا المقام ان كان الظاهر معنى من المعاني الغيبية لا حقيقة من الحقايق (15)، وروحا من الأرواح المجردة أو عينا من الأعيان الثابتة فيسمى مشاهدة قلبية، ثم في مرتبة الروح فينعت بالشهود الروحي وهي بمثابة الشمس المنورة لسماوات مراتب الروح وأراضي مراتب الجسد. فهو بذاته آخذ من الله العليم المعاني الغيبية من غير واسطة على قدر استعداده الأصلي، ويفيض على ما تحته من القلب وقواه الروحانية والجسمانية، ان كان من الكمل والأقطاب، وان لم يكن منهم فهو آخذ من الله بواسطة القطب على قدر استعداده وقربه منه أو بواسطة الأرواح التي هو تحت حكمها من الجبروت والملكوت، ثم في مرتبة السر (16)، ثم في مرتبة الخفي (17) بحسب مقاميهما. ولا تمكن إليه الإشارة ولا يقدر على اعرابها العبارة وسنشير إلى تحقيق هذه المراتب، ان شاء الله تعالى.
وإذا صار هذا المعنى مقاما وملكة للسالك اتصل علمه بعلم الحق اتصال

(٩) - فإنه في السفر الثاني من الاسفار الأربعة: وغايته التحقق بأسمائه تعالى. ولا سفر بعده استعمالنا لحواسنا صعوديا، بل السفر الثالث هو السفر من الحق إلى الخلق في مقام الأخفوية، أي البقاء بعد الفناء، كذا سمعنا من أستاذنا الاجل (غلامعلى).
(١٠) - فان التجلي إذا لم يكن من وراء الأسماء لم يكن له مظهر الا الذات لعدم تعينه فلا قابل للتجلي الذاتي الصرف في القوابل الإمكانية. فافهم. (غلامعلى) (١١) - والحق ان جميع القوى الباطنة مجردة عن المادة، وللقوة العاقلة تجرد تام و تجرد ساير القوى تجرد برزخي غير الواهمة لأنها العقل المتنزل. (ج) (١٢) - كلما ينفتح على العبد من الله تعالى بعد ما كان مغلقا عليه من النعم الظاهرة والباطنة، والأرزاق والعبادات والعلوم والمعارف والمكاشفات فتوح ربانية: والأول عبارة عن الفتح القريب وهو ما انفتح على العبد من مقام القلب وظهور صفاته وكمالاته عند قطع منازل النفس وهو المشار إليه بقوله: (نصر من الله وفتح قريب). والثاني هو الفتح المبين، هو ما انفتح على العبد من مقام الولاية وتجليات أنوار الأسماء الإلهية المفنية لصفات القلب و كمالاته المشار إليه بقوله تعالى: (انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر). يعنى، من الصفات النفسية والقلبية وأعلى الفتوح هو الفتح المطلق، وهو ما انفتح على العبد من تجلى الذات الأحدية والاستغراق في عين الجمع بفناء الرسوم الخلقية كلها وهو المشار إليه بقوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح). والنصر الله العزيز لا يتحقق الا بوجود المهدى الموعود، عليه السلام، لان هذا الفتح وان ظهر بعض آثاره في الشهادة و لكن ظهوره التام يحصل بوجود المهدى. ولذا قال ابن عربي: والنصر العزيز من مختصاته.
به پاى خويشتن آيند عاشقان به كمندت كه هر كرا تو بگيرى ز خويشتن برهانى.
(١٣) - وهي ادراك حقيقة الشئ بذاته وصفاته على ما هو بعينه لا بصورة زائدة بخلاف العلم.
فالمعرفة اتحاد العارف بالمعروف بكونهما شيئا واحدا أو كون ذات المعروف في العارف.
فلا تعرف الشئ الا بما فيك منه أو بما فيه منك، فالمعرفة ذوق والعلم حجاب. (غلامعلى) (١٤) - أي، يعطى المعرفة بوجود الشئ كما هو الواقع في العين بخلاف العلم. فافهم.
(غلامعلى) (١٥) - قال بعض المحققين: الفرق بين المعنى والحقيقة كالفرق بين العرض والجوهر، وبعبارة أخرى كالفرق بين الماهية والوجود. والفرق بين القلب والروح كالفرق بين الفرقان والقرآن، ومحصله ومرجعه هو التفصيل والاجمال. قيل المعاني الغيبية المفاهيم والعنوانات المتطابقة على ما هي عليه والحقايق الذوات المجردة والمعنونات. 12 (16) - عده بعضهم من مقدمة الوصول إلى الروح في السلوك، ولكن المعروف انه مقام للسالك بعد الروح وهو فناء السالك عن صفاته، والخفي فناؤه عن ذاته، والأخفى البقاء بعد الفناء. فليتأمل. (غلامعلى) (17) - ثم ما يكون في مرتبة الخفي والأخفى. وأعلى مراتب الكشف ما يكون بكشف أسرار الربوبية والحقايق الإلهية بالإفاضة والاستفاضة في مقام (قاب قوسين أو أدنى) من غير واسطة أصلا وهو مقام القرب المطلق والمقعد الصدق الأعلى المختص بالقلب الجمعي المحمدي: كهرباى فكر وهر آواز از أو لذت الهام ووحى وراز از أو.
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 107 108 109 110 111 112 117 117 118 ... » »»